الجدير بالذكر أن مسؤولية إكثار تقاوي المحاصيل المختلفة تقع على إدارة إكثار البذور التابعة لوزارة الزراعة الاتحادية، وإلا أن ما تقوم به إدارة إكثار البذور يمثل جزءاً يسيراً من احتياجات البلاد، وقد تقلص دور الإدارة مؤخراً وأصبحت جهازاً للإعتماد فقط، وهناك وحدات لإكثار البذور في المشاريع القومية، لكنها مكبلة ومقيدة وكسيحة وبئر معطلة لا تجد الاهتمام والرعاية والدعم من الدولة، وفي الواقع أن سياسة الدولة تجاه القطاع الزراعي لم تكن مشجعة وفي كل دول العالم المتقدم يجد المزارع الدعم المباشر وغير المباشر من الدولة، كما أن مراكز البحث تجد الأولوية وتوفر لها الميزانية الكافية وتمنح أكبر الإمتيازات للباحثين، ومثال ذلك البرازيل التي تتفوق على دول العالم في إنتاج وإنتاجية سبعة محاصيل، لا شك إن هيئة البحوث الزراعية تلعب دوراً مهماً في مكافحة الفقر في السودان إذا ما وفرت لها الإمكانيات وهي تزخر بالباحثين من حملة الدكتوراة والدراسات العليا والمهنيين والفنيين والعمال المهرة، فضلاً عن علاقتها المتينة مع مراكز البحث العالمية والجامعات وهي قادرة على الإسهام بدور كبير في تطوير الإنتاج الزراعي وترقيته باستحداث التقانات المناسبة ذات الجدوى الإقتصادية والقبول الاجتماعي ولقد تأكد ذلك من خلال تطوير إنتاج القمح بمشروع الجزيرة والمشاريع الأخرى بإستنباط عينات ملائمة مع المناخ وحرارة الطقس ومقاومة الأمراض وذات إنتاجية عالية إلى جانب استنباط عينات من القطن والذرة والفول السوداني وغيرها من المحصولات الاقتصادية التي أثبتت كفاءة عالية، وإن الهيئة التي أكملت مائة عام من الإنتاج الأخضر وهي جديرة بالاهتمام للإفادة من إمكانياتها البحثية، وتمكينها من الإشراف الحقلي والمتابعة لأهمية الحقل بالبحث. أمّا بالنسبة لمكافحة فقر المزارعين بولايات نهر النيل والشمالية وسنار والنيل الأبيض والذين يعتمدون على الطلمبات التي تستخدم الوقود (الجازولين) والذين يتعرضون لخسائر موسماً بعد آخر نظراً لإرتفاع تكاليف الري ليس هناك مفر من تحويل الطلمبات لإستخدام الكهرباء لتقليل تكلفة الإنتاج مع توفير البذور المحسنة والتقانات الحديثة، وتجدر الإشارة إلى أن ديوان الزكاة وضمن مساعيه الرامية لمكافحة الفقر وإخراج المزارعين من الفقر المدقع قدَّم نماذج ناجحة لتمويل العديد من المشروعات الزراعية الناجحة التي كانت متوقفة كلياً بولاية نهر النيل لعدم توفير مال تسيير المواسم الزراعية، وقام الديوان بتطبيق نظام القرض الحسن أي التمويل بدون فائدة، وقد نجحت تلك المشاريع، وتمكن المزارعون من الوفاء بإرجاع القرض، ولا بأس من التوسع في هذه التجربة في كافة الولايات، وبذا يمكن أن تحقق أموال الزكاة قيمة مضافة فضلاً عن إعلاء قيمة العمل. من المتفق عليه أن ظاهرة الفقر ظلت ملازمة للتطور المجتمعي عبر الأجيال، وبذا فهي وليدة لأسباب قاهرة ونسيج متداخل من الظروف الطبيعية القاهرة التي أشرنا إلى بعضها في صدر هذا المقال، ولأسباب بشرية متعددة يلعب فيها سوء التقدير، والأطماع البشرية وحب الذات والتسلط الإقتصادي الاجتماعي العالمي والإقليمي والمحلي دوراً رئيسياً، ومن هنا فقد أصبحت هذه الظاهرة هماً دولياً وهدفاً إستراتيجياً من أهداف القرن تتداعى لتحقيقه الفعاليات والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية وقد انصبت جهود مكافحة الفقر في السودان بتفعيل صناديق السند الاجتماعي، الزكاة، المعاشات، التأمينات، التأمين الصحي، وتمليك الأُسر الفقيرة وسائل إنتاج عبر القرض الحسن من ديوان الزكاة، والتمويل الأصغر والصغير عبر محفظة البنوك بالتعاون مع بنك السودان، وتمويل مشاريع الخريج.. وقد أفلحت هذه المعالجات في إخراج العديد من الأُسر من دائرة الفقر إلى الإنتاج، ولكن لابد من تطوير مؤسسات التمويل، وإستنباط صيغ ومعاملات ووسائل لسهولة التعامل من غير تعقيدات تتمثل في الضمانات التي تتطلبها التعاملات مع المصارف التقليدية. نخلص من هذا إلى أن ظاهرة الفقر في السودان قد تفاقمت ولابد من تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية لمكافحته وإتخاذ إجراءات عاجلة لتقليل تكاليف المعيشة والحد من تصاعد الأسعار، وإن دعا الأمر إلى دعم السلع الرئيسية كالسكر والدقيق والألبان والزيوت مع ضرورة أن يصل الدعم إلى مستحقيه عبر الجمعيات التعاونية، التي قامت بهذا الدور من قبل خير قيام، وبإعادة تأهيل المشاريع الزراعية ودعم الزراعة، تشغيل المصانع المعطلة، والتوسع الأفقي والرأسي في جانب التمويل الأصغر والتمويل الصغير، ومشروع الخريج المنتج، ومشاريع إستقرار الشباب، وإيجاد وظائف للخريجين، ودعم الطالب الجامعي، ورفع الحد الأدنى للمعاش قياساً على تكاليف المعيشة الضرورية، وإدخال جميع الفقراء مظلة التأمين الصحي، وكل ما من شأنه التخفيف من حدة الفقر على الأقل للوصول لمكافحته وقتله، والنظر بجدية وموضوعية علمية للخروج بحلول عاجلة لدحر الآثار السالبة لسياسة التحرير وفوضى الأسعار، خاصة وإن أسعار السلع المستوردة منها والمنتج محلياً معلوم بحساب التكلفة وهامش الربح ولو دعا الأمر إلى إعادة قانون الرقابة على السلع رغم أنف سياسة التحرير لأنها من وضع البشر قابلة للخطأ، فضلاً عن أنها ليست صالحة لكل البلدان. ولقد زعموا أن سياسة التحرير فيها الخير الكثير من أجل حماية المنتج والإنتاج إلاّ أنها في الواقع أصبحت وبالاً على المنتج والإنتاج والمستهلك معاً وكرست للإحتكار، وبالتالي إرتفاع الأسعار إلى أرقام فلكية تتغير على مدار الساعة واليوم، وأصبح متوسط الأجور لا يفي بثلث تكاليف المعيشة بحساب الورق والقلم، وبالطبع فإن سياسة التحرير بصورتها من التجربة الممارسة في بلادنا لعدة سنوات أصبحت تشكل عقبة (كأداء) أمام وسائل وآليات وجهود مكافحة الفقر في البلاد، فهل إلى خروج من سبيل؟!!!. والله من الوراء القصد،،،