الآن وبعد أن حسم المؤتمر الوطني أمر رئاسة الحزب ورئاسة الجمهورية بالتجديد للرئيس البشير لفترة رئاسية- لعلها الأخيرة- اعتباراً من أبريل 2015 نشير الى أن الغالبية العظمى من الشعب السوداني على الرصيف أو المعارضة غير راضية عن أداء المؤتمر الوطني في الحكم في الخمسة وعشرين سنة الماضية، والغالبية العظمى تطمع في تغييرات جذرية جريئة في الفترة القادمة. وعليه ستكون مهمة الأخ البشير في رئاسته الأخيرة هذه شاقة تتطلب قرارات شجاعة تزيل كل السلبيات التي سنوردها مع التذكير بأن مقدرات ونجاحات الرئيس الأمريكي المنتخب لا تظهر إلا في فترة رئاسته الثانية هي الأخيرة- حسب الدستور الأمريكي- فمنهم من يغادر الرئاسة مرفوع الرأس ومنهم من يغادر غير ذلك- عليه نسأل الله أن يوفق البشير في الخروج مرفوع الرأس بقرارات وانجازات تعيد السودان والسودانيين الى العزة والكرامة، والحرية والعدل والمساواة، والحياة الكريمة في يسر لكل قطاعات الشعب السوداني الكريم العظيم، نأمل أن يبدأ الرئيس فترة رئاسته الأخيرة بإعداد برامج إصلاح وفق خريطة طريق تعد منذ الآن وتعلن كبرنامج انتخابي واجب التنفيذ تبدأ خريطة الطريق بالاعتراف بالاخفاقات التالية: أولاً: معاناة الغالبية العظمى من السودانيين في مقابلة متطلبات الحياة الكريمة في المأكل والملبس، والتمتع بالخدمات الضرورية في العلاج والتعليم، بسبب خروج الدولة المنظم الناعم من مؤسسات العلاج والتعليم، ليصبح التعليم والعلاج سلعة رائجة رابحة للقطاع الخاص، تملأ شاشات التلفزيونات بإعلانات متواصلة مستفزة للغالبية العظمى من المواطنين، الذين يعودون الى منازلهم ولا يخرجون منها إلا في اليوم التالي، بعد تناول وجبة واحدة أسرية ضعيفة القيمة الغذائية، ويخرج أطفالهم في الصباح الى المدارس دون فطور أو (حق) فطور في بؤس مخيف ومؤلم لا يرضاه الله، وسوف تصيب معاناة هؤلاء التلاميذ ولعنتهم كل من أكرمه الله وأسرته بإرسال أبنائه الى المدارس الخاصة في سيارات فارهة ومواصلات مريحة، وحقائبهم ممتلئة بأجود أنواع الطعام (هوت دوق ومارتديلا) وعصائر مستوردة ونقود في الجيب لزوم التسلية، وهؤلاء لا يتعدون 10% من الشعب السوداني الكريم وال90% يكابدون ويعانون ويتألمون من عدم مقدرتهم في توفير الحد الأدنى لإعاشة أسرهم، خاصة عندما تطرد المدارس والجامعات والمعاهد أبناءهم وحرمانهم من الامتحانات بسبب العجز عن دفع رسوم التعليم، أو عندما يفشلون في شراء الدواء لأبنائهم ولأنفسهم بسبب ارتفاع أسعاره حتى التأمين الصحي أصبح غير مقبول لدى غالبية الصيدليات، وترفض صرف روشتات المرضى. ثانياً: معاناة المواطنين في الحرية السياسية والاجتماعية- الحرية السياسية معلومة ولكن الحرية الاجتماعية المقصود منها قانون النظام العام، والذي به أصبحت المداهمة الشخصية هي الأساس، والاستثناء ضبط الشارع العام، مما جعل الشباب ينزوي بعيداً عن المجتمع العريض واللهو البريء في المنتديات والمقاهي والمطاعم العامة الى منازل وشقق تمارس فيها كل أنواع الرذائل، وهذا ظهر جلياً في تعدد جرائم القتل وازدياد أطفال دار رعاية المايقوما، وتفشي وتنامي ظاهرة المخدرات بكل أنواعها الرخيصة والغالية. ثالثاً: العودة البغيضة للقبلية بعد أن اندثرت سياسياً واجتماعياً، تحولت الى صراعات ومواجهات دامية بأحدث الأسلحة خاصة في دارفور وجنوب كردفان، حتى أصبح الأمن فيهما هاجساً يؤرق مضاجع المواطنين الآمنين، وأصبحت القبلية الآن أكبر مهدد لاستقرار السودان، بإضافة بُعد جديد لمواجهات الحركات المسلحة التي فشلت كل اتفاقات الدوحة في إيقافها. رابعاً: انهيار القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، خاصة في مشاريعه التاريخية الموروثة والناجحة مثل مشروع الجزيرة وامتداداته، ونتيجة لذلك انهارت صناعات النسيج والزيوت والمدابغ والصناعات الجلدية وصناعات تعليب وتصدير الخضر والفاكهة والبصل، ولم تتطور صناعة السكر أفقياً أو رأسياً وأصبحنا نستورد أكثر مما نصنع. خامساً: تدهور الاقتصاد السوداني بسبب خروج النفط من الميزانية بعد انفصال الجنوب، وعدم استغلال عائداته منذ العام 1999 في تنمية وتطور الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، بل وحتى في المحافظة على ما كانت عليه سابقاً. سادساً: تدهور الخدمة المدنية مع زيادة تكاليف الحكم بسبب الترهل غيرالسليم في زيادة الولايات. سابعاً: تنامي حالات الفساد وعدم المحاسبة في أية حالة من الحالات التي انتشرت في الإعلام. ثامناً: انهيار تام لقطاع مهم في البنية التحتية ممثلاً في انهيار كامل لكل من السكة الحديد والخطوط الجوية السودانية والخطوط البحرية والنهرية. تاسعاً: تعثر مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية قطاع الشمال ومع حركات دارفور المسلحة، وتعثر بداية الحوار الوطني والفشل في إقناع الأحزاب الكبرى والحركات المسلحة في دارفور للانضمام الى الحوار الوطني. عاشراً: تدهور العلاقات الخارجية التاريخية المثمرة مع السعودية وباقي دول الخليج ومصر، ودولة جنوب السودان والفشل المستمر في تطبيع العلاقات مع أمريكا والاتحاد الأوروبي. كانت تلك الاخفاقات العشرة الواجب حسمها منذ الآن ومواصلة معالجتها خلال فترة رئاسة الأخ الرئيس البشير الأخيرة على النحو التالي: أولاً: إزالة كل الجفوات المفتعلة (كما قال الرئيس عبود رحمه الله في بداية حكمه) مع كل من مصر- السعودية ودول الخليج حتى تتم المعالجة المالية العاجلة لإعادة الاقتصاد السوداني الى عافيته، وبالتالي رفع المعاناة عن المواطنين مثلما حدث في مصر عندما تولى الرئيس السيسي الحكم، إذ أن الدعم الفوري من السعودية والامارات بما يقارب ال12 مليار دولار ساهم بدرجة كبيرة في استقرار حكم السيسي ورفع معاناة الشعب المصري وطريقة التحول والعودة الى العلاقات الطيبة مع السعودية وباقي دول الخليج معلومة لدى الأخ الرئيس وتتطلب تضحيات وتنازلات جسام وشجاعة، وحباً حقيقياً للسودان وشعبه، وكلها صفات يملكها الأخ البشير فقط عليه الانحياز الى التيار العقلاني الواقعي والمقبول في المؤتمر الوطني، وقطعاً لن تؤدي الى تفكيك الإنقاذ لأن هذا التيار مدرك وحريص على بقاء الانقاذ في المسرح السوداني هذا التحول بالضرورة سيؤدي في النهاية الى تطبيع العلاقات مع أمريكا والاتحاد الأوروبي. ثانياً: الدعم العاجل من السعودية ودول الخليج والآجل من أمريكا والاتحاد الأوروبي، سيؤدي الى إزالة الاخفاقات المذكورة في أولاً ورابعاً وخامساً وثامناً. ثالثاً: إعادة هيكلة الحكم في ثمانية أقاليم كبرى فدرالية يتمتع فيها كل اقليم بالتقسيم العادل للثروة والسلطة والأقاليم هي دارفور- كردفان- الشمالي- الأوسط- الشرقي- الخرطوم- جنوب كردفان والنيل الأزرق.. وهذا سؤدي الى تخفيف حدة القبلية ونزاعاتها خاصة إذا تم تعيين حكام من خارج مواطني الاقليم، وتقليل تكلفة الحكم ونجاح المفاوضات مع حركات دارفور المسلحة وقطاع الشمال، وهي المذكورة في الاخفاقات ثالثاً- سادساً وتاسعاً مع القرار الصائب بإعادة الحياة الى الاتفاقية الاطارية لحل قضية قطاع الشمال جذرياً وكسب نقاط مع المجتمع الدولي والاقليمي في الامتثال الى القرار الأممي 2046. رابعاً: العمل الجاد في عدم بدء الحوار الوطني الذي بادر به الأخ الرئيس إلا بعد إقناع الأحزاب التاريخية الكبرى وحركات دارفور المسلحة بالمشاركة فيه، إذ أن الحوار في شكله الحالي (7+7) لن يؤدي الى ما دعا له الرئيس، وسيكون مثل ساقية جحا يدور بين أطراف متوالية أو غير مختلفة مع المؤتمر الوطني. خامساً: إتاحة الحريات السياسية والإعلامية وجعل القضاء فقط الجهة التي تنظر وتحكم في الشكاوى مع تعديل قانون النظام، ليكون أكثر مرونة حتى لا تمس الحريات الاجتماعية الشخصية. سادساً: محاربة الفساد ومحاسبة كل من أفسد اعتماداً على قانون الثراء الحرام، ومبدأ من أين لك هذا. هذا كل ما تنتظره الغالبية العظمى من الشعب السوداني، والذي يمكن تلخيصه في مبادئ أساسية هي الحرية والعدل والمساواة والأمن من الجوع والخوف. والله الموفق.