وكنت قد أرقت مداداً كثيراً وأنا «أتغزل» في ديمقراطية وانتخابات دول الكفار الأبالسة، وكيف مواسم الانتخابات مواسم فرح وعقد قران جديد بين الوطن والمواطن.. وكيف هي نظيفة نزيهة رائعة ومدهشة.. والآن نعود إلى الوطن.. لنرى كيف هي الانتخابات وكيف هي البرلمانات وحتى لا نظلم أحبابنا في الإنقاذ وحبايبنا في المؤتمر الوطني.. نقول إن كل دول الشرق الأوسط العربية والعجمية ولا أستثني بلداً تتطابق انتخاباتها وتنعقد برلماناتها تطابق المثلثات بضلعين وزاوية.. «يعني» مجلس الشعب المصري يكتسحه كما الإعصار الحزب الوطني.. وهو الحزب المسيطر على الدولة مند ستين سنة وتزيد.. وهل نرحل إلى بلاد الرافدين أيام الأحباب البعثيين.. هناك لا صوت يعلو فوق صوت «البعث» أم نذهب إلى اليمن أيام «صالح» أم نزور الخضراء سوريا.. والحال يا هو نفس الحال.. في تونس «بن علي الآن فقط وبعد أن طفنا على شرقنا الأوسط السعيد.. نعود إلى الوطن.. ونذهب إلى الضفة الغربية من النيل.. نتأمل روعة البناء الذي شاده أبناء شاوسيسكو أولئك الرومان الأشداء والذين هم مثلنا في مواسم الانتخابات وفي أعضاء البرلمانات.. وندلف إلى الداخل.. نمشي على بلاط تنعكس ممن فرط ملمسه الصقيل أضواء الثريات الباهرة.. نجلس على الشرفة.. ونبدأ في الإحصاء.. و«لو تصدقوا» إن البرلمان بل دعوني أورد اسمه صحيحاً المجلس الوطني.. اربعمائة وزيادة يحتل فيه أحبابنا في المؤتمر الوطني.. كل مقاعده ما عدا بضعة أعضاء لا يتعدون العشرة هي كل حصاد الأحزاب التي خاضت الانتخابات مجتمعة.. و«لو تصدقوا» إن المعارضة كل المعارضة يمثلها ليس أكثر من خمسة أعضاء هم الأحبة من المؤتمر الشعبي.. ونتابع ونرى عجباً ونستمتع طرباً لذاك اللحن الذي ما طرق آذاننا منذ أن عرف الناس الانتخابات.. الحزب الحاكم والذي هو المؤتمر الوطني يتنازل طوعاً وكرماً لأحزاب مؤتلفة أو مشاركة معه في السلطة يتنازل لها عن «كم» دائرة انتخابية.. بحيث لا يرشح فيها أحداً من منسوبيه.. وكأن كل دوائر السودان الانتخابية ملكاً خالصاً له أو كأنها دوائر مضمونة و«في الجيب» حتى قبل أن تبدأ الانتخابات. ونذهب إلى عجيبة من عجائب الدنيا الألف.. ونرصد أداء المجلس الوطني.. نقلب أوراقه.. نذاكر جيداً في كراسته ونجد أنه لم يسقط مقترحاً واحداً للحكومة.. ونجد إنه لم يسقط موازنة واحدة.. ونجد أنه ما استطاع أن يطيح بأي وزير من وزاراته مهما نهضت بادية للعيان إخفاقاته وفشله.. ونجد أنه لم يتعب المنصة بعذاب إحصاء أصوات الموافقين والمعترضين على أمر ما.. فقد كانت القاعة تدوي بالتصفيق وأحياناً تهز كلمة «نعم» المبنى الهائل تهزه هزاً.. ولا ينتهي مسلسل الدهشة وأمطار العجب.. ومولانا الذي ما برح يذكرنا بأن البرلمان راكز وموجود.. نجد مولانا يقيم الدنيا ولا يقعدها مطالباً البرلمان والدولة.. مستنهضاً همم الناس لمنع وباء قاتل من الدخول إلى أرض البلاد وباء اسمه شيرين عبد الوهاب انطلاقاً- حسب رأيه- من التزام أخلاقي وديني رغم إن قروضاً ربوية قد مرت من فوق رأسه لم يقاتل لمنعها مثل قتاله في معركة شيرين.