في مثل هذا اليوم من كل عام يوم 42/11 كنت دائماً أرى أبي السيد محمد داؤود الخليفة «رحمة الله عليه» يجلس ويحمل قلمه ويكتب بتركيز واخلاص شديدين عن هذا اليوم التاريخي المهم. كان يكتب عن ذكرى «معركة ام دبيكرات» الخالدة ليذكر الأجيال الحاضرة بتاريخهم المجيد، وإيقاظاً لإحساسهم وشعورهم الوطني والديني بما قدمه آباؤهم وأجدادهم من تضحية وفداء في الدفاع عن هذا الوطن وعقيدته، في أروع وأعظم مواقف البطولة والاستشهاد. كان أبي وطنياً مخلصاً يفتخر بأرضه ووطنه، وكان يتمنى ويسعى بكل جهده بأن يعرف ويرى أبناء وطنه والأجيال القادمة حقيقة تاريخ وطننا السودان، وليست بالصورة المشوهة التي غرسها العدو والاستعمار في عقول هذا الشعب الكريم، الذي لم تكن بيده حيلة. فغسل الاستعمار رؤوسهم بمواد سامة ليس لها واقع وحقائق، وهذا لكي يضعف وطنيتهم وترابطهم واتحادهم، وبهذا يستطيع السيطرة والتمكن منهم. فكيف يسيطرإن لم يكسر؟؟ فتمكن الاستعمار من كسر المرأة التي تعكس أجمل ما يحمله اي إنسان، ذلك التاج على الرأس.. والذي لا يستطيع أن ينزعه منه أحد.. وهذه هي مرآة «التاريخ والانتماء» مرآة الفخر والعزة، فمن المعروف أنه من ليس لديه ماضي ليس لديه حاضر، وبالتالي ليس لديه مستقبل.. وكان هذا هدفهم هدف التحطيم ومسح اي ذكرى عن تاريخنا ورجالنا الأسود.. ويا للأسف.. وقع شعبنا ضحية لهم. وعاش أبي «رحمه الله» السيد محمد داؤود الخليفة طيلة حياته يحاول ويحاول أن يعيد لنا ما فقدنا، وأن يجعل هذا الشعب البريء يفتخر بأجدادهم وماضيهم.. فكان يسعى لأن نعيد كتابة التاريخ الذي يُدرس حالياً في المدارس، فهو مكتوب بقلم الاستعمار.. وأراد أن يلعب أبناء هذا الوطن دوراً مهماً في تدوين الحقائق بالقلم السوداني وليس بقلم الاستعمار كما هو عليه الحال الآن. فمعظم الناس يعتقدون أن «كرري» 2 سبتمبر 8981 هي آخر معركة للمهدية، وهذا ما أراد المستعمر أن يثبته في عقول السودانيين تهميشاً لمعركة «أم دبيكرات»، وتزويراً لتاريخنا الذي درج على تزويره وتشويهه، في حين كان يعلم المستعمر جيداً أن معركة أم دبيكرات كانت من أعظم المعارك وآخرها. وقعت «معركة أم دبيكرات» في يوم 42/11/9981 وهي آخر معارك المهدية، ومن أعظم المعارك، وأخرها لأنها جسدت رفض الهزيمة في «كرري» وإصرار «الخليفة عبد الله» للرجوع الى «ام درمان» لمنازلة الغزاة اعداء السلام مرة أخرى، مما أزعج «كتشنر» كثيراً عندما بلغته الأخبار بعزم «الخليفة عبد الله» للرجوع الى أم درمان.. ففي معركة «أم دبيكرات» انضمت جميع قبائل أهل السودان متحدين مترابطين. ففي معركة أم دبيكرات انضمت جميع قبائل السودان متحدين مترابطين يداً واحدة.. وكانت تجسيداً للوحدة الوطنية لأهل السودان، وكان على رأسهم الأمير عثمان دقنة ومعه أمراء المجاذيب محمد الطاهر، وعبد الرحمن المجذوب، وامراء الجعليين بقيادة الأمير أحمد جمال الدين، وأمراء الشايقية بقيادة الأمير العطا ود أصول، وأمراء البطاحين بقيادة الأمير النائب الفحل، وأمراء كنانة بقيادة الأمير البشير عجب الضي وغيرهم من كل القبائل.. معركة أم دبيكرات جسدت قمة الاستشهاد في أروع صوره.. باستشهاد القائد، وهو رأس الدولة وإمام الدين الشهيد «الخليفة عبد الله» محارباً وسط جنوده، وهو ما ليس له مثيل في التاريخ الإسلامي أو غيره.. بأن يستشهد القائد وسط جنوده، وكان ذلك حسن الختام.. مما أثار إعجاب الأعداء وجعلهم يؤدون التحية العسكرية، عندما أنزل جثمان الخليفة عبد الله في قبره بأم دبيكرات.. ووقف الضباط أركان حرب «وند هام» مشدوهاً ومتسائلاً أمام الجنرال «ونجت» قائلاً.. أنؤدي التحية العسكرية لهذا الخصم اللدود؟ فأجابه «ونجت» أنت لا تعرف يا فتى عظمته.. ومهما كان رأينا في «الخليفة عبد الله» ورجاله فإنهم ماتوا ميتة الأبطال. رحم الله جميع أمواتنا وادخلهم فسيح جناته. أما عن الشهداء الذين دفنوا حول قبر الخليفة عبد الله بام دبيكرات فهم: - الخليفة عبد الله بن السيد محمد - الخليفة علي الحلو «خليفة الفاروق»، - الأمير أحمد فضيل «أمير حامية القضارف وقائد المعركة» - الأمير الصديق بن المهدي - الأمير هارون بن السيد محمد «أخ الخليفة عبد الله» - الأمير البشير عجب الضي «أمير قبيلة الكنانة» - الأمير ابو جكة «قبيلة المسيرية» - الأمير النموري.. وغيرهم كُثر.. رحمك الله.. رحمة واسعة يا أبي.. وفي مثل هذا اليوم رائحتك العطرة بحب وطنك تملأ قلوبنا وتدفيء بيوتنا.. وشكراً لك يا أبي على كل معلومة أفدتنا بها.