عادت الدعوة إلى تأجيل الاستفتاء مرة أخرى إلى واجهة الأحداث ولم تأتِ الدعوة هذه المرة من الشريك «اللدود» للحركة «المؤتمر الوطني»، الذي كفّ عن مجرد التلميح بها بسبب الحساسية العالية التي تتعامل بها الحركة مع هذه المسألة، وأصبح المؤتمر الوطني عوضاً عن ذلك يتمسك ويدعو إلى حسم القضايا العالقة بين الشريكين كشرط لازم لإجراء الاستفتاء سواء تم التأجيل أم لم يتم . والدعوة إلى التأجيل هذه المرة جاءت من الحليف الإستراتيجي للحركة .. من «ماما» أمريكا وعلى لسان سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة.وإذا ما جدّت واشنطن السير في هذا الاتجاه فإن ذلك سيضع الحركة الشعبية وقادتها في امتحان عسير وربما يؤدي إلى إحداث «ربكة» وهزة عنيفة لمكانة وموقع الحركة في الساحة الجنوبية، ذلك لأن الحركة عبّأت الجنوبيين بشكل كثيف ضد التأجيل وجعلت القبول به أشبه بالخيانة العظمى وجعلت من موعد الاستفتاء تاريخاً مقدساً وخطاً أحمر لا يمكن السماح بتجاوزه أو التهاون بشأنه قط، وهي في ذلك كانت تستند إلى الدعم الأمريكى لها في هذا الاتجاه.. فماذا تقول الآن لشعب الجنوب لتبرر موافقتها على التأجيل إذا ما ضغطت واشنطن في هذا الاتجاه ؟ وهل تستطيع الحركة رفض الطلب الأمريكي كما تفعل مع المؤتمر الوطني مضحية بالدعم والسند السياسي والمادي والدعائي الأمريكي لها ؟ أم أن هناك طريقاً ثالثاً ستسلكه الحركة؟. غبار «ناتسيوس» حول الدور المصري: المبعوث الأممي السابق إلى السودان «أندرو ناتسيوس» قال في محاضرة له بجامعة جورج تاون الأمريكية إن سلاح الطيران المصري شارك في ضرب القري في دارفور.. وسواء صحّت هذه المزاعم أم لم تصح.. فإن إثارتها في هذا التوقيت له دلالات كثيرة، وتشير إلى أن هناك سعي حثيث من قبل قوى دولية لا ترغب في أن يكون لمصر أي دور إيجابي في الشأن السوداني، بتلطيخ سمعة مصر وتشويه صورتها لدى الرأي العام الغربي من جهة، وإقامة حاجز نفسي من الكراهية من جانب أهل دارفور تجاه مصرمن جهة أخرى و التي بذلت مساعٍ وجهوداً مقدرة ترمي إلى تحقيق الاستقرار في كل السودان من واقع موقفها المبدئي الذي أعلنته والداعم لوحدة السودان ، وإثارة هذه المزاعم لا تخدم إلا أعداء مصر الإستراتيجيين الذين أوعزوا إلى ناتسيوس إطلاقها في هذا التوقيت. سلام دارفور: حسناً فعلت الحكومة بفضها الارتباط بين الاتفاق مع الحركات المسلحة وتحقيق سلام شامل ودائم في دارفور، وتأكيدها على أنها لن ترهن إحلال السلام في الإقليم بتوقيع اتفاقيات مع الحركات، بل بمضيّها قدماً نحو تلبية تطلعات وطموحات أهل دارفور في العيش في سلام وإحداث التنمية المطلوبة ، وهذه الخطوة من جانب الحكومة تعتبر موفقة، رغم أنها جاءت متأخرة كثيراً، ولكن أن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي أبداً.. فواقع الحال في دارفور الآن مهيأ بما يكفي للبدء في إنفاذ محاور الإستراتيجية التي اعتمدتها الحكومة لمعالجة مشكلة دارفور من توفير للأمن وإنشاء المشاريع التنموية وفتح الباب للعودة الطوعية إلى القرى وإعادة إعمار ما دمرته الحرب . بيت من ورق: العنوان أعلاه هو وصف أطلقه «كيفين بيرينو» على الدولة الجنوبية المرتقبة في مقال له بصحيفة «واشنطون بوست» الأمريكية، حيث سلط الكاتب الضوء على آراء العديد من المستشارين بإلادارة الأمريكية، الذين قالوا إن بناء دولة جديدة في جنوب السودان مشروع يتهدده الفشل والإخفاق، كما أشار إلى آراء دبلوماسيين غربيين مضوا في نفس الاتجاه ويرون أن المنطقة غير مهيأة «لاستقلال» جنوب السودان. ونحن نهدي هذه الشهادة الأمريكية إلى قادة الحركة الشعبية وإلى الانفصاليين الجنوبيين وندعوهم إلى النظر والتأمل فيها مليِّاً، وما يزال أمامهم متسع من الوقت ليقرروا بعدها إلى أي وجهة هم سائرون. كسلا والفقد الجلل: فُجع المجتمع الكسلاوي خلال اليومين الماضيين في اثنين من أبنائه ورمزين من رموزكسلا الشباب، في حادثين مروريين على الطريق السريع بين الخرطوموكسلا، الحادث الأول راح ضحيته الأستاذ «كمال رابح» المحامي الذي ترشح لمقاعد المجلس الوطني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» في الانتخابات الأخيرة ، وقد شيّعه إلى مثواه الأخير بمقابر الصحافة نفر غير قليل من أبناء كسلا من أهله وأصدقائه ومعارفه وزملائه الكثر بالعاصمة، ويا لأقدار الله وآياته فقد كان من بين من شيعوه الفقيد الثاني الأستاذ «صلاح سليمان» عضو المجلس الوطني ممثل الدائرة الغربيةكسلا عن المؤتمر الوطني، حيث تحرك الفقيد صوب كسلا في اليوم الثاني لوفاة الأستاذ كمال رابح لتقديم واجب العزاء فيه، ولكن سبقت أقدار الله ليلتحق هو الآخر بالرفيق الأعلى نتيجة اصطدام العربة التي تقله بإحدى الشاحنات على الطريق بمنطقة «الشوك»، حيث توفي في الحال، وشيع أهل كسلا جثمان الفقيد صباح أمس الأول بمقابر أبودقن، وتقدم المشيعين الوالي وأعضاء حكومته وقادة العمل السياسي والاجتماعي والرياضي بالمدينة ووفد من الحكومة الاتحادية يتقدمه وزير الداخلية إبراهيم محمود والوزير برئاسة الجمهورية السيد إدريس محمد عبد القادر.. لهما الرحمة والمغفرة ولأهل كسلا الصبر والسلوان وحسن العزاء .. إنا لله وإنا إليه راجعون.