عامان ونصف العام من عمر مفاوضات اديس ابابا بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، كان نتاجها ثماني جولات بين الطرفين دون أن تحقق نتائج مرجوة وهي السلام. إذ كان المجتمع الدولي وجميع الأطراف السودانية تعلم أن قضية المنطقتين يحكمها بروتوكول ضمن اتفاق نيفاشا للسلام في العام 2005م، فإن الطرف الآخر وهو قطاع الشمال الذراع الأيمن للحركة الشعبية في السودان أراد أن يكون التفاوض مدخلاً لإثارة قضايا أخرى، مما جعل نصوص البروتكول قضايا هامشية في الجولات، وتحل محلها قضايا ترفض الحكومة أن تناقشها في هذا المنبر، وهو حق اكتسبته الحكومة بموافقة المجتمع الدولي. ولكن دعونا نبحث عن ماذا يتفاوض الطرفان في اديس هل حول المنطقتين اللتين يحكمهما بروتوكول، أم حول قضايا لا علاقة لها بجوهر مشكلة المنطقتين.. فالشاهد أن قطاع الشمال الذي يقوده ياسر عرمان يريد أن يبحث كل شيء عدا البروتوكول إذ ناقشت قضايا الحكم الاحتفاظ بقواته دون أن يبحث جوهر مشكلات المنطقتين، وهو ما ترفعه الحكومة جملة وتفصيلاً، بل أن القطاع ذهب الى أكثر من ذلك إذ أراد أن يناقش الحكومة من عدة منابر بينها المنبر الخاص بحركات دارفور، الذي بدأ أعماله الأسبوع الماضي، وتوقف بسبب ثامبو امبيكي اي بمعنى أن ياسر عرمان ومستشاريه يريدون التنقل من مائدة الى أخرى، ويثيرون في نفس الوقت القضايا المتشابهة شكلاً ومضموناً، وهو ما ترفضه الحكومة لتوحيد منابر التفاوض، وهو ما أكده الرئيس في حديثه مؤخراً أن الحكومة لن توحد المنبرين، بل ذهبت الى أكثرمن ذلك لإعلانها أن التفاوض منصوص بقضايا معينة وأجندة محددة، ووضع الرئيس أمام رئيسي الوفدين أمين حسن عمر المسؤول من التفاوض مع الحركات المسلحة، وابراهيم غندور، وضع أمامهما خطوطاً واضحة، وطلب منهما عدم النكوص عن كل ما من شأنه أن يؤثر على جولات التفاوض، وهو حديث سيكون له ما بعده من أن جولة التفاوض ستحكمها قواعد ثابتة وواضحة، لأن لا مجال لإعادة التفاوض حول ملف دارفور باعتبار أن هذا الملف تحكمه وثيقة الدوحة، فمن أراد التفاوض فليأتي، ومن رفضه عليه أن يبحث عن منبر آخر، وهو حديث لم يجد ترحيباً من الحركات المسلحة التي فسرت الدعوة بأنها مناقشات جديدة بقضية دارفور، بينما تنص دعوة الآلية الافريقية صراحة الى مناقشة الترتيبات الأمنية والوقف الشامل لاطلاق النار، وهو تفسير ربما أرادت به وفد الحركات المسلحة إعادة إنتاج نيفاشا جديدة ووضع الحكومة أمام خيارات صعبة تدركها الحركات جيداً بأن الحكومة لن ترضى بمناقشته.. إذن ما الحل الذي يمكن أن يتحقق على أرض الواقع في ظل معطيات جديدة قديمة متجددة علماً بأن الحركات تدرك جيداً أن الحكومة لن تقبل بإعادة فتح وثيقة الدوحة التي باركها المجتمع الدولي وترعاها دولة قطر، إحدى الدول ذات التأثير القوي في الوطن العربي. وبحسابات الربح فإن موقف الحكومة يعد الأقوى لأنها كلما تمت محاصرتها من جانب فهي لديها ما يعزز موقفها حيث يمكنها إبراز واخراج مواقف المجتمع الدولي المتباينة المبنية على الضغوط بإبراز الوثائق التي أملاها المجتمع الدولي على الطرفين، مثل وثيقة الدوحة والآن أضحت اديس ابابا منبراً جاذباً لكل من يريد تسويق أجندته الضاغطة على الحكومة، فمعظم قيادات المعارضة اتخذت لها مواقع وتمارس الأخرى نشاطها سواء كان ضد أو مع الحكومة. مشهد لم يتكررمن قبل أن تجمع معارضي الحكومة في منبر واحد ليقرروا كيفية اسقاط الحكومة، برغم أن المعارضة تنفي ذلك- كما ورد على لسان فاروق ابو عيسى- هل تحقق المفاوضات الجارية حالياً أجندتها، وهل ستناقش البروتوكولات في المنطقتين أم أن هناك أجندة أخرى ربما تطرأ على طاولة التفاوض، بحيث أن المفاوضات أصبحت أشبه بسوق المفاوضات، فالمجتمع الدولي لديه الأجندة التي تطيل عمر التفاوض لأكثر من عشرة أعوام أخرى، دون أن تلامس المطالب أو تجيب عن السؤال الحقيقي عن جدوى التفاوض.