قال احمد بن داؤود ما رأيت رجلا عرض على الموت ورأى النطع مفروشا والسيف مسلولا ولم يكترث لذلك ولا عدل به عما أراد إلا تميم بن جميل وقد كان خرج على المعتصم في أيام دولته ونزع يده من الطاعة وانقطع الى بعض النواحي وكان قد عظم أمره على المعتصم ولقد رأيته وقد جئ به مكتوفا اسيرا وقد اجتمع الناس من الآفاق والنواحي ينظرون كيف يقتله المعتصم وكان المعتصم قد جلس له مجلس وأمر الناس بالدخول ودخل تميم وحضر السياف وفرش النطع وكان تميم جميل الوجه تام الخقة عذب المنطق كما سنرى فرآه المعتصم غير دهش ولا مكترث لما نزل به فأراد أن يستنطقه ليعلم أين عقله في ذلك الوقت فقال له: يا تميم ان كان لك عذر فات به فقال: أما إذا أذن أمير المؤمنين فالحمد لله الذي جبر بك الصدع ولم بك شعت المسملين وأنار بك سبيل الحق وأخمد بك شهاب الباطل إن الذنوب يا أمير المؤمنين تخرس الألسنة الفصيحة وتعيي الأفئدة الصحيحة ووالله لقد كبر الذنب وعظمت الجريرة وانقطعت الحجة وساء الظن ولم يبق إلا عفوك أو النتقامك وأنت الى العفو أقرب وهو بك أشبه وأليق ثم انشد: أرى الموت بين السيف والنطع كامنا يلاحظني من حينها أتلفت وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي واي امرئ مما قضى الله يفلت وأي امرئ يأتي بعذر وحجة وسيف المنايا بين عينيه فصلت وما جزعي من أن أموت وانني لأعلم ان الموت شئ مؤقت ولكن خلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسرة تتفتت كأني أراهم حين أنعى اليهم وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فان عشت عاشو سالمين لغبطة ازود الروى عنهم وان مت موتوا قال: فبكى المعتصم حتى ابتلت لحيته وقال: إن من البيان لسحرا ثم قال: يا تميم كاد السيف أن يسبق العفو وقد وهبتك لله تعالى ولصبيتك وعفوت لك العبوة ثم أمر بفك قيوده. اشرأبت أعناق عشرات الألوف ان لم يكن ملايين العرب صوب فضائيات مصر لمتابعة جلسة النطق بالحكم في القضية الموسومة بمحاكمة القرن لرموز نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بما فيهم أي النظام بعينه بتهمة قتل متظاهري ثورة 52 يناير وبما توحي عبارة إعادة المحاكمة والتي غالبا ما تنم عن ضعف ووهن الأحكام التي صدرت بحق المتهمين وعدم قولها من فئة كبيرة خاصة المتضررة من أسر الضحايا فقد توقع المتابعون لأمر هذه المحاكمات والمهتمين بما يجري ي المحروسة عقب أحداث الثورة توقعوا احكاما قاسية وبنفس المنطق فقد تصور البعض أكبر من ذلك واعتبروا أن إعادة المحاكمة كالتمييز في محاكم ابو الجاسم صدام حسين فمنذ ان اعتلى سيادته سدة حكم العراق وحتى اعتلائه منصة الاعدام في يوم نحر لم ينج احد أرسلت اوراقه الى التميز من حبل المشنقة إنا لله وإنا إليه راجعون.. وفي دولة حمورابي المبادر الى تأسيس الأحكام والقوانين في العالم مورست انتهاكات للقوانين بأبشع صورها كما وقفنا على الكثير من تلك الانتهاكات أثناء سير محاكمات الدجيل. وفي يوم السبت وعند اكاديمية الشرطة اجتمع الناس من الآفاق والنواحي ينظرون كيف يحكم سعادة المستشار على المتهمين غيرهؤلاء النفر الذين يتابعون عبر وسائل الاعلام وقد عمد سعادة المستسشار رئيس المحكمة الى غحكام السيطرة على القاعة منذ الوهلة الأولى مستشعرا ردود الأفعال العنيفة من قبل الحضور جراء الأحكام التي سيتكرم باصدارها بعد هنيهة وقد نجح في هذا الأمر الى الحد البعيد حيث خيم الصمت على القاعة ومما لا شك فيه أن الأحكام التي صدرت ضد المتهمين أو بالأحرى في صالح الرئيس ونجليه ووزير داخليته ومستشاريه العظام نزلت بردا وسلاما عليهم ولأول مرة ومنذ أربعة أعوام يتعانق المتهمون داخل الاقفاص غير مصدقين ويكاد الأمر يتطابق مع رواية احمد بن داؤود والمتهم تميم بن جميل مع المعتصم حيث نالوا جميعهم حكما بالبراءة بل ان مشاعر الود والتعاطف عند مستشارنا في العصر الحديث تجلت واضحة بصوت واضح النبرات ومفعم بأحاسيس الثقة والثبات «براءة عودوا الى مقاعدكم» واذا كان الشيطان دائما ما يتخفى بين سطور التفاصيل في الأمور الخلافية إلا أن حيثيات الحكم في القضية المشار اليها تغوص في تلال من علامات التعجب من القانونيين خاصة الاشارة الى تاريخ الرئيس الأسبق منذ أن كان نائبا للرئيس وبدا الأمر وكأنه سعادته يبحث عن مبررات لتخفيف الحكم واشارته صراحة الى ان مسار هذه المحاكمة ومكانها سياسية وليست جنائية واذا كان الأمر كذلك وبهذه الكيفية يبقى السؤال الخالد من قتل المتظاهرين؟ ويا عيني عليك يا جماعة- كل ما يتكتل واحد في طنطا يجولك- دا انا غلبان.