٭ الحواتة فعلوها للمرة الثانية.. هذه المرة كانت قاسية و«لاطمة» لأدعياء الفن الذين يلوثون المدينة في غياب «محمود» بملصقات إعلانية لحفلات جماهيرية وهي لا جماهيرية ولا حاجة!! ٭ قبل عامين ويوم وصول جثمان الفنان الراحل محمود عبدالعزيز.. كنت شاهداً على الحدث.. في الظهيرة وقبل وصول الطائرة المقلة للجثمان من الأردن تحولت الخرطوم لكابوس من الزحام!! حضرنا كل «الزحمات» التي مرت بها الخرطوم ولم نرَ مثل هذا الزحام وهذا الحزن والوجوم والدهشة التي صبغت أشجار وشوارع وسماء الخرطوم باللون الرمادي «شديد السواد». ٭ كنت في المطار ورأيت الاقتحام الذي حدث ولم «يحدث» في تاريخ المطار مثله.. لا زال الناس في حيرة كيف حطم جمهور محمود «السياج» المضروب ووصلوا حتى سلم الطائرة!! ٭ ذهبت للمزاد حيث منزل أسرة محمود.. رأيت الحشد يزداد.. في المقابر أقسم كل من حادثته أنه لم يرَ حشداً في المقابر مثله. ٭ شيعت الجماهير الغفيرة الراحل ثم ترحمت عليه وانصرفت.. إلا «الحواتة».. فلا زالوا في ذات المكان بذات الوفاء وذات الحب. محمود عاش مثلهم و.. لم يكن من سكان «القصر العالي سلام».. ود الحلة.. والمعاناة.. والشعب.. وعندما اشتعلت جذوة الإبداع جاءت من نفس «النَفَس» والمعاناة والمشاعر!! ٭ كان محمود عبدالعزيز متفرداً وفات «الكبار والقدرو».. بلغ عدد أغنياته المؤداة «052» أغنية.. منها «125» أغنية خاصة كانت كلها عنواناً لحب الأرض والشعب والقضية. ٭ إذن ما حدث أمس الأول في إستاد الخرطوم لا يدعو للدهشة والاستغراب والتسلسل المنطقي للأشياء.. «30» ألفاً احتشدوا في الإستاد ولم يقوَ على تحمل واحتواء الضغط الجماهيري الذي يحدث لأول مرة في حفل تأبين أي راحل في السودان سواء كان مطرباً أو سياسياً أو أديباً أو شاعراً. ٭ إذن محمود حالة نادرة جداً وتجربة تستحق التأمل ومأساة السودان أنه يقع تحت الظل الإعلامي.. لو كان الحدث في دبي أو القاهرة أو بيروت لأصبح حديث الوكالات والفضائيات والصحف!! ٭ لم يخذل الحواتة محمود وبادلوه الوفاء في أسمى معانيه.. تذكروا الفنان الذي غنى للألم والمعاناة والحرية.. الفنان الإنسان كافل طلاب العلم والأيتام وداعم المرضى. ٭ الحواتة هم أنفسهم حالة نادرة وعنوان لسودان «قديم» يعرف معاني الوفاء والحب الصادق المجرد من كل «هوى» و«طمع»! ٭ الحواتة في إستاد الخرطوم أعادوا للسودان روحه السمحة.. ورحم الله محمود عبدالعزيز وغفر له.