* ..تحدثنا في خواتيم مقال أمس عن قاعدة الفنان الراحل محمود عبد العزيز الجماهيرية العريضة التي تعرف بالحواتة، وأشرنا إلى مدى تعلقها ب(الحوت) والتفافها حوله في حفلاته الجماهيرية، فهم يمثلون حزباً لا يمنح إذنه لفنان سوى محمود ويتباهون بذاك الحب الدافق والعشق السرمدي، وتجدهم في الحفلات يحملون لافتات وصور تعبِّر عن ذلكم الإعجاب الخرافي بعبارات مثل (الأسطورة) و(الإمبراطور) و(ملك الغُنا) و(الجان) وصولاً إلى (ما بطيق لغيرو أسمع) وغيرها من شعارات (التطرف الحوتي) التي تؤكد أن جمهور محمود يماثل جمهور المنتخب الإنجليزي الذي عرف منذ زمن طويل بالشراسة والتعصب حتى صار مضرباً للمثل. * لم يكن غريباً أبداً أن يتدافع الآلاف من محبي الراحل محمود يوم الجمعة الماضي لحضور تأبين الأسطورة ، ولكن الغريب حقاً أن يتم اختيار نادي ضباط قوات الشعب المسلحة مقراً لاحتضان فعالية مكانها المناسب إستاد المريخ او أي ميدان مفتوح بمساحة كبيرة..فإن جهل كثير من الناس قديماً حجم قاعدة محبي الحوت التي تحرص على حضور كل فعالية مرتبطة باسمه فإن مسيرات الحزن الهادرة التي جابت شوارع الخرطوم يوم أن أغمض إغماضته الأخيرة وانتظار وصول الجثمان لساعات طوال والتشييع المهيب بمقابر الصبابي وغيرها من مظاهر التدافع التي كانت أبلغ استفتاء ينبغي أن تدفع القائمين على أمر التأبين دون تردد لاختيار الساحة الخضراء. * محاولات رمي الحواتة باتهامات جائرة وحصر معظمهم في فئة من أصحاب التفلتات والتعبير المتجاوز يمثل ظلماً فادحاًً لشباب أوفياء لم يعرفهم كثير من الناس عن قرب، وليس من المنطق في شيء أن تصدر حكماً على قاعدة عريضة جداً لا تقل عن جمهور أحد فريقي القمة إن لم تفقهما بسماعك لحادثة عارضة..الحواتة حزب شاسع ممتد قاعدته أكبر من كثير من الكيانات الثقافية والرياضية ولا يمكن مقارنته بعضوية وقواعد الأحزاب السياسية..!! * كثير من الناس في بلادي يصدرون أحكاماً دون معلومات ومتابعة ولا يجتهدون في البحث والتنقيب لتحصين وحماية آرائهم من التفنيد ، وأقصى اجتهاد أحدهم سماعه لحادثة عابرة ليبني وجهة نظره ، فالحواتة الذين يظلمهم أصحاب الآراء العاجلة كانوا من أكثر روابط معجبي الفنانين تماسكاً وفاعلية على مستوى تنظيم الروابط غير الملايين الذين يرتبطون بفنان دون الانتماء لرابطة أو اكتساب عضوية في كيان ..بدأت روابط محبي محمود أنشطتها منذ زمن بعيد وأقام (صهيب ورفاقه) مهرجان سباق النغم في بداية الألفية الثالثة عندما كان اللواء عبد الحي محجوب رئيساً فخرياً للرابطة وبمشاركة الراحل المقيم الفريق أول إبراهيم عبد الكريم ..توالت التجارب والمسميات بحب شديد في وقت كان فيه التواصل ليس سهلاً حيث لم يكن بإمكانك أن تنبئ الملايين بحدث ما عبر كبسة زر..ظهرت من بعد ذلك مجموعة (محمود في القلب) التي بدأت عملها بهمة وتنظيم ،ولا زلت أذكر حماس شبابها إبان فترة التأسيس الأولى فبعد جلوسهم مع الراحل محمود طلب منهم زيارتي وإطلاعي على تصورهم العام وتزويدهم ببعض الأفكار ..يومها شعرت بجدية شباب (محمود في القلب) لتأتي من بعد ذلك (أقمار الضواحي) ويتسابق الجميع فى إحياء الفعاليات الفنية والمشاركة الفاعلة في الأعمال الإنسانية..!! * ظهرت أصالة معدن الحواتة إبان فترة مرض محمود عبد العزيز الأولى في يونيو ووعكته الأخيرة في يناير من العام المنصرم ..كانوا يفترشون الإسفلت ببري أمام مستشفى رويال كير ..ظلت أكفهم داخل وخارج السودان مرفوعة للسماء..(ختمات القرآن) يصعب حصرها..شباب من محبي محمود بالسعودية اعتمروا ووهبوا له العمرة ..ذرفوا الدموع وحلبوا المقل يوم رحيله ولا يزالون حتى الآن يبتهلون بالدعاء له..(ويا له من حب عظيم)..!! * هاهم عشاق صديقنا الراحل محمود عبد العزيز يسدون جنبات نادي الضباط في ليلة التأبين بينما الذين لم يجدوا فرصة للدخول أضعاف من حملوا صوره بالخارج..إنها رسالة واضحة لكل فنان يريد أن يخلد اسمه فالأغنيات الهابطة وزخم (عدادات الأعراس) لا يصنع مجدًا وخلودًا..وشكراً لحواتة الغناء الرصين الذين لا تزال دروسهم تتواصل ..شكرًا لمحمد بابكر ورفاقه وكل من بذلوا جهداً في التنظيم ..شكرًا للحواتة فإن كان محمود قد (مات) فدروس وفائهم لا تزال (حية)..!! أنفاس متقطعة * ظروف وجودي خارج البلاد حرمتني من حضور ليلة تأبين الحوت..وشكراً نبيلاً لكل الحواتة الأوفياء الذين لم تنقطع رسائلهم مني وسؤالهم عني. * لم أتمالك نفسي عندما غنت مجموعة عقد الجلاد بمهرجان الدوحة مساء الجمعة الماضي أغنية لمحمود عبد العزيز تخليدًا لذكراه وغادرت إستاد النادي العربي وطوفان ذكريات يجتاحني حد الفجيعة..!! * نسأل المولى سبحانه وتعالى لمحمود عبد العزيز الرحمة والغفران ولمحبيه الصبر والسلوان. نفس أخير * ولنردد خلف أزهرى الحاج : سدى كل العرفنا بلاك خزاز وفجيعة نقيد جمر السؤال نرجاك نداري الدمعة بالصنقيعة