طارق حنّا عزيز «74» عاماً هو المسيحي الوحيد في الدائرة المُقربة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين.. الذي حيّر جلاديه وأخزاهم بثباته ورباطة جأشه و«رجالته» الأسطورية التي تشبه الأحاجي.. وشكراً لصحيفة الانتباهة التي نشرت لنا كتاب محامي صدام بعنوان «هذا ما حدث» وفيه ما فيه من الحقائق المُدهشة التي تكشف ولع الأمريكان بسفك دماء العراقيين من أجل عيون الدولة الصهيونية... تولى طارق عزيز وزارة الإعلام في عهد صدّام ثم وزارة الخارجية ومنصب نائب رئيس الوزراء وسلّم نفسه للقوات الأمريكية الغازية التي أودعته أحد سجونها «سجن كروبر منذ عام 2003م.. حيث حكمت عليه المحكمة الجنائية العليا العراقية بحكمين الأول السجن 15 عاماً لإدانته في قضية إعدام 42 تاجراً في مارس 1992م والثاني السجن 7 سنوات بسبب دوره في التجاوزات التي تعرّض لها الأكراد الغيليين الشيعة في عقد الثمانينات.. وكان طارق عزيز الذي أقعده المرض ففقد القدرة على المشي وعجز عن الكلام حتى أن أفراد أسرته زوجته وابنه زياد وابنته زينب والذين زاروه في سجن الكاظمية والذي نقله إليه الأمريكان في 13 / 7 / 2010م» كانوا يتحدّثون معه عن طريق الكتابة لعجزه عن النطق بعدما أصيب بثلاث جلطات.. وكان يتوقّع أن يموت في سجنه بعدما رفضت السلطات العراقية طلبات أفراد أسرته ومحاميه للإفراج عنه لسوء حالته الصحية. وبعدما نشر موقع ويكيلكس وثائقه التي تفضح في بعض صفحاتها دور رئيس الوزراء «المنتهية ولايته» نور المالكي في الاعتقالات والتعذيب بواسطة فرق خاصة تتبع له شخصياً.. لم يجد المالكي ما يدفع به غير تحريك المحكمة الجنائية العليا العراقية لتُصدر حكمها بواسطة قاضيها محمود الحسن بالإعدام لطارق عزيز نائب رئيس الوزراء في النظام السابق وسعدون شاكر وزير الداخلية وعبدحمود محمود السكرتير الشخصي لرئيس النظام السابق المرحوم صدام حسين شنقاً حتى الموت لإدانتهم بالمسئولية والمشاركة في تصفية الأحزاب الدينية ورموزها وشخصياتها وتتعلق قضية تصفية الأحزاب الدينية ومطاردتها «في عقد الثمانينات» إبان الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام 1980 واستمرت لثمانية أعوام بحزبي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي كان يتزعّمه آية الله محمد باقر الحكيم.. والذي قضى نحبه في انفجار سيارة مفخخة في مدينة النجف عام 2003م وحزب الدعوة الإسلامية الذي أسسه محمد باقر الصدر والذي حكم عليه بالإعدام هو وشقيقته بنت الهدى عام 1980م وكان هذان الحزبان يتخذان من إيران مقراً لهما.. وتضيف المحكمة الجنائية العليا والتي أنشئت عام 2003 طارق عزيز ورفاقه إلى قائمة المحكوم عليهم بالإعدام بدءًا من صدام حسين وشقيقه برزان التكريتي وابن عمه علي حسن المجيد ونائبه طه يس رمضان وعواد البندر رئيس محكمة الثورة في عهد صدام في قضايا قصف قرية حلبجة بالسلاح الكيماوي.. وقضية الأنفال.. وقمع الانتفاضة الشعبانية.. وقضية صلاة الجمعة التي أعقبت اغتيال المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر عام 1999م وقد طالت أحكام المحكمة بالسجن التي تتراوح بين المؤبد وعشر سنوات كلاً من علي أحمد خضير رئيس ديوان رئاسة الجمهورية.. وسبعاوي إبراهيم حسن الأخ غير الشقيق لصدام.. وزير الداخلية.. ووطبان إبراهيم حسن شقيقة مدير الأمن العام وسمير عزيز النجم.. عضو قيادة حزب البعث ومزبان خضر هادي.. عضو مجلس قيادة الثورة.. ومحمد زمام وزير الداخلية.. هذه هي السجلات الرسمية للمحكمة أما الذين قُضي عليهم بالموت دون محاكمة فقد تفاوتت أعدادهم بين المليون إلى الستمائة ألف «حسب وثائق ويكيلكس» فما هو سر نشر هذه الوثائق . هل هو إحراج القيادة العراقية الحالية ولخبطة حساباتها؟ أم هو تصفية حسابات حزبية أمريكية داخلية؟ أو هو عمل إعلامي مُثير ولا يشكل ألا زوبعة ما تلبث أن تهدأ والاحتمال الأخير هو الأرجح.. لأن تشكيل الحكومة العراقية كان يمكن أن ينتهي قبل عدة أشهر من ظهور الوثائق.. والتصفيات الداخلية الأمريكية لا تؤثر فيها كثيراً مثل هذه الوثائق فالضحايا عرب ومسلمون.. وقد يبدو الكون أفضل بدونهم.. في رأي المتطرفين والمعتدلين الغربيين عموماً والأمريكيين خصوصاً.. وقد أبدت قناة الجزيرة مهنية عالية ومتابعة دقيقة لنشر هذه الوثائق وإقامت ندوة على الهواء مباشرة لأكثر من ساعتين ونصف واستضافت كل الجهات المعنية بالأمر من أمريكا وبريطانيا والعراق وإيران وغيرها مؤيدين ومعارضين معظم المتحدثين أكدوا صحة الوثائق واختلفوا على دوافع نشرها وعلقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون بالقول «إنه لم يرد أي ذكر لوزارة الخارجية في هذه الوثائق» شفتو الشغل كيف؟ وعندما لم يفتح الله على نور المالكي بكلمة خرجت علينا المحكمة بقرار إعدام طارق عزيز «الميت أصلاً» على الأقل سيقصروا له مدة المعاناة مع المرض. ولا بأس من تكرار نكتة المحامي الذي نال موكله حكماً بالإعدام فخرج المحامي من الجلسة مطالباً أهل المدان ببقية الأتعاب فقالوا له «اتعاب شنو يا أستاذ وزولنا حكم بالإعدام» فقال المحامي «ما تحمدوا الله.. والله لو أنا ما واقف معاهو القاضي ده كان قطعوا ليكم حته.. حته.». وهذا هو المفروض