تعود جذور الفكر السلفي الجهادي إلي أول خلاف حدث في فجر الإسلام، بين الإمام علي بن أبي طالب «رضي الله عنه »، ومعاوية بن أبي سفيان في أعقاب قضية التحكيم بينهما، الذي أفضي إلي إنهاء عهد الخلافة ليحل بدلاً منه عصر التوريث. منذ هذا الوقت ظهر ما سُمِْي بفكر «الخوارج »، حيث انطلق هذا الفكر من رؤية سياسية مغايرة ومعارضة لمبدأ التحكيم من الأساس، وكان من رأيهم «أن التحكيم سيقود إلي نهاية عهد الخلافة »، مما دعاهم إلي رفض حكم معاوية بن أبي سفيان وتكفير الإمام علي بن أبي طالب هو ومَنْ أيدوه في فكرة التحكيم من الأئمة والدعاة. غير أن هذا الفكر وجد له أنصاراً في كل مكان وزمان منذ هذا الوقت، حيث اعتُبر ابن تيمية عماد هذا الفكر المتطرف، وأصبحت فتاواه بمثابة الأساس الفقهي لجماعات التطرف والعنف الأصولي في العديد من البلدان العربية والإسلامية. ويُنظَر إلي تنظيم «داعش » في العراقوسوريا باعتباره من أكثر هذه التنظيمات تشدداً وتطرفاً، بما في ذلك تنظيم «القاعدة » الذي خرج منه أبو مصعب الزرقاوي الذي يُعَدُّ بمثابة الأب الشرعي لتنظيم «داعش ». {{ لقد فشل «الدروي » في الحصول علي عضوية البرلمان المصري عام 0102، رغم الأموال الضخمة التي قام بصرفها علي دعايته الانتخابية، ثم اكتشف في وقت لاحق أنه مصاب بمرض صداع مزمن أدي إلي مضاعفات صحية خطيرة، فسافر إلي أمريكا لإجراء عملية جراحية ومنها إلي تركيا، ثم إلي سوريا حيث تولي منصب القائد العسكري لجماعة جند الخلافة الإرهابية باللاذقية. وبعدها بفترة من الوقت بايع «الدروي » أبوبكر البغدادي وانضم إلي «داعش »، وقُتل في عملية انتحارية، بعد أن عيَّنه البغدادي قائداً عسكرياً للتنظيم في تكريت. وعندما نشر «أبومصعب المصري » القيادي في تنظيم «داعش » خبر مقتل الدروي في شهر أكتوبر الماضي، كانت الصدمة كبيرة لكل من عرفوه، ولم يظن أحد منهم ولو للحظة أن هذا الرجل «الهادئ الصامت دائماً » يمكن أن يتحول إلي مشروع «انتحاري وإرهابي » يقتل بلا رحمة ودون وازع من دين أو ضمير. إن نفس الظاهرة تمتد أيضاً إلي النساء الغربيات اللاتي يتدفقن إلي ساحة القتال ويعلنَّ انضمامهن ل »داعش »، رغم كافة الظروف القمعية التي تعانيها النساء في دولة «داعش ». جاءت «داعش » لتشكل عنوان هذا الحلم، فقد وُلدت في ظروف غامضة، ونجحت فجأة في اقتطاع مساحة من الأرض من جغرافية سورياوالعراق بطريقة وسرعة أثارت الشكوك، وطرحت علامات الاستفهام، فقد نجحت بمقتضي ذلك في تأسيس ما أسمته «الدولة الإسلامية في العراق »، ثم تطور المشروع إلي «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام »، ثم إلي «الدولة الإسلامية »، ومُنحت البيعة من عناصر التنظيم لأبي بكر البغدادي خليفة «للمسلمين »!! إن نشأة «داعش » وتطورها السريع وامتلاكها لآليات الحرب المتقدمة، كانت ولا تزال محل جدل شديد، ومثار اهتمام كبير لدي أجهزة الاستخبارات، التي أدركت أن صناعة هذا التنظيم مرتبطة بأجندات إقليمية ودولية. لقد كانت تركيا من أولي الدول التي أشير إليها باعتبارها الدولة الحاضنة للتنظيم، التي وفرت كافة أنواع الدعم اللوجيستي، ودربت عناصره وفتحت الطريق أمام مرور آلاف الأجانب للانضمام إلي التنظيم في سورياوالعراق. لقد كان من أهداف تركيا التي وقفت وراء دعمها واحتضانها لهذا التنظيم هو تحقيق الحلم بعودة النفوذ التركي إلي المنطقة مجدداً بعد الفشل الكبير الذي منيت به السياسة التركية في سوريا ومصر علي وجه التحديد.وإلي جانب تركيا فإن «إسرائيل » والولاياتالمتحدة وقطر أطراف لديها أجنداتها السياسية التي لا تخفي علي أحد من وراء صناعة هذا التنظيم، وامتداد نفوذه الواسع في المنطقة، ذلك أن للدول الثلاث مصلحة مباشرة في إسقاط نظام الأسد وتفتيت الكيانات الوطنية لحساب مشروع الشرق الأوسط الجديد. أما إيران، التي أدركت أن «داعش » يشكل خطراً علي نفوذها ومصالحها، فقد تحركت بحذر شديد ولم تبد رداً فورياً علي الرسالة التي بعث بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي المرشد العام الإيراني علي خامئني يطالبه فيها بضرورة التدخل العسكري المباشر علي الأرض العراقية لمواجهة «داعش ». يبقي الحديث إذن عن هذا التناقض في الموقف الأمريكي، فبالرغم من أن كافة المؤشرات لا تستبعد وجود دور أمريكي فاعل في نشأة تنظيم «داعش » كما هو الحال سابقاً مع «القاعدة » فإن الحيرة تكتنف المرء أمام هذا الحشد الذي سعت الولاياتالمتحدة إلي تكوينه تحت شعار «التحالف الدولي لمواجهة إرهاب داعش ». إن الأمر يعود في تقديري إلي نتائج هذا الاجتماع المهم والخطير الذي عقدته ما سمي «الخلوة الدبلوماسية الأمريكية » في شهر يونيو 2014، التي أصدر الرئيس أوباما قراراً بتشكيلها لبحث الإجابة عن السؤال الأكثر إلحاحاً: «كيف تتعامل أمريكا مع الوضع الجديد في الشرق الأوسط في ضوء نمو حركات التطرف والإرهاب وفي مقدمتها داعش؟ ». لقد جري تشكيل الخلوة الأمريكية برئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق «كوندليزا رايس » وضمت وزراء الخارجية السابقين «جيمس بيكر، مادلين أولبرايت، هيلاري كلينتون، كولن باول » وأيضاً وزير الخارجية الحالي جون كيري وعدداً من مستشاري الأمن القومي والمخابرات الأمريكية السابقين، في حين تولت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي متابعة أعمال هذه اللجنة. وبعد عدة جلسات أصدرت اللجنة توصياتها، التي كان لها أثر كبير في تحرك الإدارة الأمريكية والسعي نحو تشكيل التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب. لقد تناولت «الخلوة » ثلاثة عناوين مهمة هي: 1- التغيير في مصر وسقوط حكم الإخوان. 2- الوضع في سورياوالعراق في ضوء التطورات الجديدة. 3- إيران النووية. وجاءت توصيات «الخلوة » حول العناوين الثلاثة علي قدر كبير من الأهمية، وأهم ما فيها أنها تضمنت المطالبة بمراجعة أخطاء السياسة الأمريكية التي وقعت فيها إدارتا بوش الابن وأوباما في إدارة هذه الملفات. وبعيداً عن الملفين المصري والإيراني، فقد تضمنت توصيات «الخلوة » بشأن سورياوالعراق انتقادات حادة للسياسة الأمريكية في التعامل مع هذا الشأن، ومن بينها القول حرفياً: «لقد أثبتت سياستنا في الفترة القصيرة الماضية أننا لم نكن علي علم ودراية بكل تحركات قوي التغيير في المنطقة، فما يحدث في العراق الآن كنا ننظر له علي أنه من فعل مجموعات إرهابية تابعة للقاعدة، وتناسينا طيلة الفترة الماضية أن تنظيم القاعدة الذي عمل في العراق أصبح من الصعب اجتثاثه، لأن عوامل كثيرة ساعدت علي نمو هذا التنظيم وخلق بيئة حاضنة له في صفوف الشعب العراقي تحميه وتمده بالدعم بل وتتحالف معه ». وقال التقرير: «لقد تعامينا عن واقع العراق، ونظرنا للنظام القائم هناك علي أنه نظام حليف ويعمل وفق أجندتنا، وهذا ما كان ينفيه الواقع، فتأثير إيران في المعادلة العراقية أصبح أكثر من دورنا وتأثيرنا هناك. لقد أهملنا طيلة الفترة الماضية شرائح واسعة من الشعب العراقي وقواه التي ساعدتنا وتحالفت معنا في إسقاط نظام صدام حسين وتناسيناها، ودعمنا نظاماً مارس القهر والاستبداد علي هذه الشرائح والقوي، فلم يكن أمامها في النهاية وبعد أن