قارئي العزيز قال الشيخ فرح ود تكتوك ياتي زمان يكثر فيه..جفاء الحبان ....وميتة الشبان... لا أحد يعرف ماذا تخبيء له الأيام ...كل الناس تخشى المجهول، وتحسب له الف حساب.. نحن لانعلم ماذا يحمل لنا الغد من مفاجآت، ورنات الموبايلات، أخبار سارة كانت أو محزنة... مهما قرأنا الطالع.. وجالسنا ستات الودع ... أوقَلَّبنا فنجان القهوة أو خطوط راحة اليد، أوانشغلنا بأبواب الحظ في المجلات والصحف .... وهذه نعمة كبيرة لايدركها أغلب الناس لأننا فعلاً لو علمنا الغيب لارتضينا بالواقع، وهذا الجهل بما سوف يحدث لنا هو الذي يجعلنا نعيش اليوم ونتحرك في الدنيا .... أحياناً نعيش دون أن نحسب حساب الأيام القادمات، وأحياناً يُلْهم الله بعضنا الحكمة فيعيشون علي أساس إنه لاشيء دائم... لا فرح.. ولا حزن ...وأن دوام الحال من المحال ... والدوام لله عزَّ وجلْ ... ولابأس من أن يرسم الانسان خطواته وأن يخطط لحياته، لكن عليه أن يتوقع كل شيء.. فالرياح غالباً ما تأتي بما لا تشتهي السفن.. ولا أحد يمكنه أن يزعم بأنه يعرف مصيره غدًا أو حتي بعد ساعه أو دقيقة واحدة ... ايمان الانسان بالغيب اساس لإيمانه بالله... بالتأكيد هناك حياة اخرى، بعد هذه الدنيا ومؤكد ايضاً إنه سوف يكون هناك حساب وجزاء وجنة ونار وبالتأكيد اكثر فإن أعمال الإنسان من خير أو شر هي التي سوف تضعه هنا أو هناك وكل ما جري لنا في حياتنا من أفراح أو أتراح لم تكن تعرف أو تتخيل أو نتخيل إنها سوف تحدث لنا وهذا هو سر الحياة.. إن كل يوم قادم كان صفحة مجهولة بالنسبة لنا وكتاب غامض لا نعرف قصته، أو محتوى صفحاته ... كان يقول ويردد في هذا الحديث ودموعه مكبوته في تلك الأمسية الحزينة في مقابر الشيخ حمد النيل وقد ظل يرددها من قبل... أعوام قليلة مضت عندما ودع إبنه الوحيد الشاب عبدالله إبن العشرين عاماً، والذي جاء في وسط شقيقاته الستة الناجحات ...كانت دموعه مكبوتة وهو يردد أنا لن أخسر ربي هذا هو الامتحان الثاني لي من ربي كانت دموعه مكبوتة.. وهو يودع ويدفن واحدة من زهرات ونجوم حياته التي تضيء له أيامه ولياليه.. وكانت الدنيا حلوة بهم ... لم يعرف كيف يضحك القلب إلا معهم ولم يذق حلاوة الدنيا إلا وسطهم ولم يكتشف نفسه إلا في عيونهم ... قهوة الصباح في مواعيدها... في يوم رحيلها أعدَّتْ له الفطور... وجهزت له حجار البطارية للراديو العتيق الذي ظل يلازمه سنوات طوال ليتابع منه أخبارالوفيات والأغاني الذهبية .... وذاكرة الأمة السودانية.... كانت الدنيا تسوّد في وجهه، ثم تبتسم وتشرق في اليوم الثاني... وهكذا عاش حسن عثمان العوض بله«حسن فِش» وهكذا عاش دنياه ...وهكذا كان يخاطب جموع المشيعين الباكين من اهالي حي الموردة في ختام العام 2014 وهم جميعاً يذرفون الدموع في وداع الدكتورة الصيدلانية« ولاء حسن عثمان» .... لعل القاريء العزيز وقد ظل يتابعني في هذا الركن اسبوعياً من خلال عمود اليوميات، وقد ذكرت عدة مرات وتحدثت عن أحد نجوم ام درمان العظام والشهير «حسن فش» ذلك الرجل الذي يجلس تحت شجرة النيم الظليلة أمام منزل الأسرة العريقة المجاور والملاصق «لعوضية بائعة الأسماك».. في الصباح يجلس امام منزله بعد أن تقاعد وتقدم بإستقالته من قوات الشرطة، بعد رحلة كفاح وعمل مابين الخدمة المدنية والعسكرية والتي بدأها بوزارة الدفاع، ثم الداخلية، في وظائف خدمة مدنية، ثم استوعب في القوات النظامية، وتقدم في الرتب واستقال من تلقاء نفسه .... كنا نستمتع شخصي والأصدقاء الاعزاء- خلف الله إسماعيل، وياسر المرضي، ومحمد حمزه، والحبيب عم الراحلة د. ولاء «عبد الرحيم فش» ...كنا نستمتع بحكاويه الجميلة ...ثم الأغاني الذهبية في( 100 FM) ثم ذاكرة الامة في FM98 ... ويتناقش معنا ويحلل... وكان «يظبط» الساعة بذاكرة الأمة ليقول لنا عند العاشرة ... مواعيد الدكتورة جاء... ويتحرك الى أجزخانة الموردة الوحيدة الواقعة بجوار فندق الحديقة أمام حديقة الموردة... هذه الصيدلية التي تقدم خدماتها لكل اهالي ومناطق الموردة غرب وشمال وشرق وماجاورها... كان بداخل تلك الأجزخانة دكتورة صيدلانية طيبة الملامح... خلقة وأخلاق... قمة في التهذيب والحنية ...شاطرة.. تشخص وتحلل وتخفف على كل من يقف أمامها، بل وتدفع للمحتاج ... الآن الساعة العاشرة مساء يتحرك حسن ليحضر د. ولاء من الصيدلية وفي بعض الأحيان يتأخر وفي تلك اللحظة أقوم بتوصيله وأغادر الى محطة اخرى من محطات مروري اليومي علي اهلي واحبابي واعزائي في محطات تبدا من حي الموردة مرورًا مع التوقف... العباسية .... أبوكدوك... حي الضباط.. اسبوعان مرا بعد رحيل د. ولاء التي فتح رحيلها المفاجيء الجروح لاهالي حي الموردة... رحلت لتنضم لجيرانها من جيل الشباب في المقابر التي اسماها البعض بمقابر الشباب... مقابر الشيخ حمدالنيل ود الريح ...لتنضم الى شقيقها الوحيد عبدالله ....والى أبوبكر الطيب محمد عبد المحمود....والى د.سحر سعد الطيب...والى نجل الحبيب هجو عبد الرحيم ... والى محمد محجوب أبو رأس .....والى الكثيرين من الذين سبقوهم ... قال لي الصديق العزيز النجم الاجتماعي والرياضي المعروف عوض فش عم الراحلة هكذا يمر كل يوم ونفجع فيه برحيل ابنائنا الشباب أغلبهم ذهب الى هناك.. في البداية تصورت انهم سافروا.. وانهم سيرجعون واحدًا بعد الآخر ولكن الأيام قالت لنا أنت مخطيء وإن هذا النوع من السفر لايرجع منه المسافر ابداً ...وختم ... يا ابناءنا الذين ماتوا واحداً بعد الآخر.. ولم يبقى لنا إلا أن نترحم يومياً عليكم.. وأن نضع الزهور في قبوركم ...والدموع تنساب على خدودنا وياجبار السموات والأرض رحماك ... رحماك .... أفي مثل خفقة الونسان وتحية العجلان تبدل الدنيا بغير الدنيا... فما أعظمك يا الهي تنثر سترك ..وترسل عافيتك ت/0912366709ت/0912304336