قرأت مقالاً في واحدة من وسائط الاتصال الحديثة (الواتساب) يتحدث صاحبه عن أننا شعب يتغنى بماضيه ويعدد مآثر الآباء والأجداد بصورة مستمرة دون تفكير أو تحضير للأنباء لعمل في الغد أو المستقبل وهذا - حسب رأيه- ما يجعلنا في تخلف مستمر بعيدين عن الخلق والإبداع. رغم احترامي للكاتب وما ذهب إليه إلا أنني أخالفه الرأي تماما ً وذلك لأننا نقول في تراثنا وامثالنا (الخلى قديمو تاه) ونقول (الما عندو قديم ما عندو جديد) والأمثال لا تأتي من فراغ، إنما تكون نتاج تجارب طويلة. استمعت ذات مساء إلى لقاء إذاعي مع رجل تعرفت عليه من خلال نبرات صوته وهو الدكتور محمد عمر دولت الفرنسي الجنسية والمحاضر ببعض جامعاتنا تعرفت عليه من خلال مؤلفاته، وهو المشرف على مجلة بصائر الإسلامية. سأله مضيفه عن رأيه في السودان وشعبه حسب الفترة الطويلة التي قضاها فأجاب (يا أخي أنتم والله في نعم عظيمة وخير وفير).. ثم واصل بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) وأنتم تعانقون بعضكم في محبة وفرح.. أنتم تزورون بيوت بعضكم في الأعياد وتفطرون على الطرقات في رمضان، تستقبلون الضيوف، وتعلنون عن موتاكم عبر الإذاعات، تتشاطرون في أحزانكم، وتشاركون بعضكم الأفراح، ثم قال بنبرة فيها صدق واضح يا أخي واللَّه أنتم تختلفون عن المسلمين في العالم العربي والإسلامي، سماحة الإسلام التي عرفناها وأخلاقه موجودة عندكم. هذه شهادة رجل موثوق من علمه، وهي شهادة خالية من غرض خاصة، وأنه قالها وهو يوشك أن يودع السودان عائداً إلى وطنه. أقول سادتي نحن عرفنا القرصنة عبر التاريخ أنها الإعتداء على السفن التجارية في أعالي البحار لكننا الآن نعيش أنواعاً ونماذج من القرصنة خطيرة، نعيش قرصنة على الفكر والدين والقيم والمباديء، ونواجه الآن استلاباً للأخلاق والقيم والثقافة. لكل ما سبق نحن بحاجة ماسة أن نقوي في أبنائنا النزعة الدينية الإسلامية السمحة البعيدة عن التطرف والدجل وأن نزرع فيهم من الصغر حب الوطن والإعتزاز بقيمهم ومورثاتهم، فالأعاصير القادمة قوية تحتاج إلى مصدات رياح أقوى. مواقف كثيرة تسعدني أحياناً فكلما كنت أتجول في سوق (الدبة) والاحظ تصرفاً غير لائق، وقد يكون في مناطق كثيرة عادياً، ساعتها أنبه الشاب والفت نظره، فأسعد كثيراً عندما يعتذر لي ويشكرني. نحن نحمد الله لازلنا هناك في خير كثير كثير من الفتن والنزاعات والاحتراب والتصدعات الواضحة في نسيجنا الاجتماعي والتي نخسر المليارات ولا نستطيع لها رتقاً ما كان لتكون لو أن التنشئة الدينية والتربية الوطنية كانت صحيحة. أقول لولاة أمورنا على مختلف المستويات أعيدوا النظر في الأمور.. راجعوا مناهج الدراسة منذ الأساس استبعدوا ما تكرهون، وأضيفوا ما تستحسنون حتى نتمكن من إصلاح ما فسد، ولو بعد حين فالمسألة شائكة والوطن غالي والتكليف أمانة أعاننا الله وإياكم إنه العليم القدير.