«إني أكرهُ ان تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلَغ في العُذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأهدهم من ضلالتهم، حتى يَعرِف الحق من جهلهُ ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لَهَج به».. من (نهج البلاغة)... قالها الإمام علي كرم الله وجهه عندما سمع قوماً من اصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفَّين في مواجهة جيش معاوية. ٭ تأملت قول أبي الحسن أعلاه بعد ان طالعت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي رسالة «واتس أب» منقولة عن جريدة «حريات» الاليكترونية التي يقوم على تحريرها بالخارج زميلنا الكاتب الصحافي والسياسي المعتق الحاج وراق، وهو غني عن التعريف.. ولولا ان الرسالة منسوبة لشخص اخر معروف ومحل ثقة هو الدكتور الفاتح الملك اخصائي المخ والأعصاب المشهور لما نالت منا اهتماماً ولما افردنا لها مساحة (الاضاءات) للتعليق.. ود. الفاتح وجه رسالته المؤرخة (17 مارس الجاري) أصلاً إلى الاستاذة هويدا الماحي التي نشرتها على صفحتها بالفيسبوك، قبل ان تلتقطها «حريات» وتنشرها.. والرسالة في جوهرها رسالة تضامن حزينة مع ذوي الطلاب السودانيين الذين تمكن تنظيم (داعش) الارهابي من تضليل وتجنيد (11) طالباً وطالبة منهم، قيل ان خمسة منهم ينتمون الى جامعة مامون حميدة، وجميع آبائهم من الأطباء وأساتذة جامعات ببريطانيا ودول الخليج وفق ما كشف عنه الدكتور الفاتح الملك الذي قال في رسالته الموجهة لهويدا الماحي ما يلي: ٭ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. لقد تم تسفير 11 طالباً وطالبة من الطلاب النوابغ جداً والمتدينين جداً جداً، ونحسبهم ممن هدي كثيراً من زملائهم في الجامعات (خمسة) منهم من جامعة مامون حميدة، جميعهم ابناء اساتذة إما في جامعة الخرطوم أو دكاترة في السعودية وانجلترا وذلك يوم الاربعاء الماضي، وللاسف كلهم يحملون الجنسية الانجليزية مما يسهل خروجهم من مطار الخرطوم، ولقد عُرف انهم توجهوا الى تركيا وتم اخطار السلطات وتدخّل البوليس في تركيا بعد ضغط من جهات مختلفة. حالياً جزء من آباء هؤلاء الشباب الضحايا موجودين في تركيا، في حالة بكاء وألم وحزن شديد جداً. السلطات أخبرت ذويهم بتوزيع صورهم في كل أرجاء تركيا، وان المخارج الى سوريا مغلقة تماماً ومحاولات انقاذ هؤلاء الشباب جارية. زملاؤنا الدكاترة يرجونا جميعاً ويناشدوكم بالله عليكم ان تدعوا لهؤلاء الضحايا دعاء شديداً قبل فوات الاوان وخاصة اهل صلاة الليل وجزاكم الله خيرا.. كما نرجوكم اخطار ابنائكم واهاليكم بدخول هذه الظاهرة التي اصبحت حقيقية في السودان والله المستعان. ٭ وفي اشفاق واضح وحزن ناضح ألحف الدكتور الملك على الاكثار من الدعاء من الجميع مقترحاً دعوة (يا جامع يا رقيب 1000 مرة) لكل من يستطيع. ٭ قد يذكر قراء (الاضاءات) واننا وتحت العنوان ذاته تقريباً «الحريق في بيت جاري اليوم.. وفي بيتي غداً» كنا قد نبهنا الى خطر ما يجري من حولنا في الديار العربية قبل أسابيع قليلة.. واواخر الاسبوع المنصرم قام المتطرفون الدواعش، من التونسيين القادمين من ليبيا بشن هجوم صاعق على متحف باردو، الذي يحوي أهم الموروثات الثقافية لتونس، والمجاور لمبنى البرلمان فقتلوا 23 شخصاً بينهم 20 من السواح الأجانب.. ضربة وجهها هؤلاء الأوغاد للسياحة باعتبارها أهم مصادر الدخل القومي التونسي.. ومنذ يومين (الجمعة) هاجم الدواعش مسجدين في العاصمة اليمنية صنعاء التي هجرتها السلطة الشرعية، فقتلوا نحو 150 وجرحوا ما يزيد عن 400 من المصلين، مستغلين غيبة الأمن وسيطرة مليشيا الحوثيين الارهابيين، وحالة (الفوضى الخلاقة) التي صنعوها، لإلحاق الأذى بالمسلمين وهم ركعاً سجداً في بيوت الله. ٭ اعادتني حادثة الطلاب السودانيين وما جرى في تونس واليمن مؤخراً الى قول الرئيس البشير خلال زيارته للامارات وحديثه لصحيفتي السابقة (الاتحاد) بأن الحركة الاسلامية السودانية ليست جزءاً من «التنظيم الدولي للاخوان».. وهذا صحيح منذ ستينيات القرن الماضي، اذا ما استثنينا فئة صغيرة منشقة تتسمى بذات الاسم.. كما نبه البشير في ذلك الحديث الى تجربتهم في مواجهة التطرف الديني عبر الحوار والمناقشة الفكرية مع الشباب الذين يتم التغرير بهم.. ونتفق معه بأن الارهاب يبدأ «بفكرة تزرع في الدماغ» قبل ان يتحول الى «قنبلة تزرع» في منشأة عامة او بندقية توجهها الايدي الأيدي لصدور الابرياء!! ٭ لكن من يتأمل واقع حياتنا السياسية يجد التربة مهيأة تماماً لتمدُدْ نيران التطرف الى بلادنا، تأملوا بعض خطباء المساجد وما يقولون، تبشيراً بافكارهم السياسية وليس بخطاب الاسلام العام الوسطي المتسامح البعيد عن التعصب والغلو. ٭ نحن اذاً بحاجة لعمل مؤسسي لمواجهة الفكر الديني المتطرف والتكفيري من جذوره ومصادره المعلومة ورموزه المشهورة في تاريخ الاسلام السياسي.. ولسنا في حاجة للتذكير بها.. بما يبعد شبابنا عن التزمت والتطرف الذي هو أول الغيث في طريق الارهاب الموحش والمدمر.