«اليوت بيلفور» التحق بخدمة حكومة السودان عام 1947م وانتهى بدرجة مدير مديرية على أعتاب الاستقلال، يقول الرجل في مذكراته التي ضمنها صفحات كتاب «حكايات كانتربري السودانية» إلى جانب مذكرات آخرين عملوا في السلك الإداري لحكومة السودان، إنه أول عهده بالخدمة عبر النيل إلى الضفة الغربية، حيث عهدوا به إلى مفتشي مركز أم درمان «مستر برمبل» ليتعلم كيف يحكم السودان، حيث يعتقد الرجل أن إدارة هذا البلد تحتاج إلى العدل والحزم، لذلك كان يسخر من زملائه الذين يلتقيهم عائدين من كورسات التأهيل الإداري، ويردد على مسامعهم قناعته التي ترسخت من تجربة في إدارة أصعب مركز في السودان، إذا كان يشكل عاصمة الدولة التي دمرها الإنجليز.. يبدأ برمبل يومه العملي بموكب الصباح الذي يتكون من الإداريين الإنجليز والعمد والمشائخ، يطوف على أحياء المدينة يتأكد من نظافتها، والويل لشيخ الحي إذا وجدت أوساخ أو برك مياه في الشارع، يعاقب على الفور ولبرمبل مع أهل أم درمان قصص كثيرة، ففي ذلك الزمان كان أول عهدهم بالتطعيم، والإقبال على المراكز ضعيف فانتهز الرجل يوماً نظرت فيه محكمة المدينة قضية متعلقة بالسلوك المتهم فيها شخصية كبيرة، فامتلأ مركز أم درمان بالناس، حينها أمر المستر برمبل بإغلاق جميع الأبواب واستدعاء فرق التطعيم على الفور من المستشفى كان يعرف طبائع أهل السودان ويتعامل معهم وفقها، لذلك في سرعة البرق يحول اتجاه الموكب إلى السوق ليتأكد من طريقة عرض الخضار واللحوم ومطابقتها للوائح المركز دون سابق إنذار حتى لا يحتاط الجزارون والخضرجية، والذين تفتق ذهنهم عن حيلة لم تنطلٍ كثيراً على برمبل، حيث شاهد أن موكبه حين يمر بمنطقة معينة تنطلق الزغاريد من نسوة يقفن في الطريق العام، وفي مرة شك الرجل في الموضوع فأمر البوليس باعتقالهن والتحقيق معهن فقلن إنهن يفعلن ذلك احتفالاً بموكب المفتش وإعجاباً بهيبة الحكومة، ولكن تحت التهديد بالحبس اعترفن بأن الجزارين والخضرجية طلبوا منهن ذلك حتى يعلموا بمرور موكب المفتش فيسارعوا بتغطية اللحم والخضار بقماش الدبلان النظيف حسبما تقتضي لوائح المركز. رتبة مفتش مركز تساوي منصب معتمد محلية بلغة اليوم الإدارية ومع ذلك يستطيع أن يقوم بالرقابة على الأغذية ويسهر على نظافة المدينة، بل وتقول المصادر التاريخية إن برمبل قد طور صناعة الجلود والفضة في أم درمان وبإمكانات محدودة، في حين تقر الحكومة اليوم بعجزها في رقابة المنتجات الغذائية، وطالب وزير الثروة الحيوانة فيصل إبراهيم خلال حديثه في منتدى سلامة الأغذية أمس الأول بمنح الرقابة الغذائية أولوية وأقر بضعف ومحدودية قدرتهم في مجال الرقابة، وطالب خبراء بإصدار تشريع بإغلاق كافة مساطب اللحوم الموجودة بولاية الخرطوم وتكوين جهاز رقابي خاص بالأغذية يتبع لرئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء «يعني المحليات ما في داعي ليها في هذه الحالة».