إليكم نموذج حركة منتج واحد من المصنع حتى آخر مستهلك .. جردل طحنية زنة 3 كيلو (أجود الأنواع ) من مصنع ( .... ) سعره 55 جنيه .. تخرج عربات التوزيع من المصنع فتجد أمامها عربة صالون صغيرة تنتظرها فتتبعها الى مخازن كبيرة تقع وسط منطقة سكنية .. مخازن أعدت خصيصاً لهذا الغرض(تخزين المواد الغذائية ) وبعد أن تفرغ العربات حمولتها تعود مرة أخرى الى المصنع حيث حساب أجر السائق ومندوب المصنع يكون بالإنتاج أي بكمية البضاعة الموزعة أو حافزهم كما تسميه إدارة المصنع (وهنا تجدر الإشارة للمرتبات الضئيلة جدًا فوق ما نتصور التي يتقاضاها عمال وسائقي ومندوبي المبيعات في المصانع والشركات عموماً والذين في معظمهم من خريجي مساقات جامعية مختلفة لكنه .. سد الرمق ! ) ..نعود لصاحب العربة الصغيرة الذي ينطلق متوجهاً الى تجار الجملة في الأسواق .. فيعرض جردل الطحنية عليهم بسعر 63 جنيه .. وتجار الجملة يلتفتوا ليعرضوه لتجار القطاعي بسعر 66 جنيه .. ومن تاجر القطاعي الموجود في السوق أو في المحطة أو في الحلة للمستهلك يتراوح سعر ذات الجردل بذات العبوة ما بين 69/ 37 جنيه !! .. كيف ؟ ..ولماذا ؟ .. لست أدري !!! .. .. تاجر القطاعي «مساعد النور» الذي استضافته الإذاعة الإقتصادية في برنامج ( صباح الإقتصادية) قبل أيام .. تحدث بحرقة ومرارة شديدة عندما سأله المذيع عن سبب زيادة الأسعار غير المنطقية في السوق الذي يعمل فيه .. أجاب بصوت أشبه بالصراخ : زيادة الأسعار سببها الرئيسي السماسرة والوسطاء.. وهم أصحاب الجلاليب النظيفة .. (حايمين) في الأسواق ما عندهم أي محل تجاري في السوق .. وما عندهم أي رقم ضريبي .. ولا محتاجين في شغلهم لرخصة تجارية مثلنا .. فقط يستخدمون علاقاتهم مع الشركات والمصانع ويتكلموا عن كميات كبيرة من البضائع موجودة في مخازنهم .. وتلقاهم داخلين في مساومات مع تجار الجملة حول السعر الذي يفوق سعر المصنع في زيادة بلا سقف .. فالتاجرصاحب رأس المال المحدود لا يستطيع شراء كميات كبيرة من المصنع .. إنما ذلك السمساري والذي إن رفعت صوتك عليه يحدثك أنه وكيل لرأسماليين كبار وشخصيات معروفة بل إن بعض السماسرة يصرح مجاهرًا بكونه يعمل مع الشخصية الفلانية أو العلانية المشهورة، وهو تهديد مبطن لا يدع مجالاً للتجار سوى الرضوخ والإذعان .. وذكر مساعد أن أحد هؤلاء السماسرة طلب منه ترك مهنة تجارة القطاعي، ويدخل معه عالم سماسرة السوق ليركب عربة آخر موديل بدل تلتلة المواصلات كل يوم .. فكان رده : (حلالي ورزق عيالي ما ببدلوا بي جنس أموركم دي) !! .. .. لا بد من آلية رقابة حكومية صارمة .. ذات صلاحيات واسعة .. بإشراف وزارة التجارة وحكومات الولايات .. تتابع حركة المنتجات في تنقلها من المنشأ للمستهلك في الأسواق والأحياء .. ووضع عقوبات استثنائية رادعة فيمن يتلاعب بقوت وأرزاق هذا الشعب الطيب و يتكسب من عرقه ودمه .. وهؤلاء السماسرة هم مجموعة من الكسالى العطالى وفاقدي الطموح الطامعين في طرق الكسب السريع بأقل مجهود وتكلفة مهما كلفهم الأمر من جشع وطمع لا إنساني .. فهؤلاء هم الأزمة .. وهؤلاء هم الخطر الإقتصادي الذي يجعل أسعار أسواقنا تغلي غلي المرجل .. هؤلاء هم السوس الذي ينخر في العظام فتنحنى جباه لم تعرف طعم الذل والإهانة .. فهؤلاء هم الأزمة الحقيقية .. فمن يملك المسؤولية والشجاعة ليتصدى لهم !! .. أكرر الشجاعة لأن المواجهة ستكون مع أصحاب الوزن الثقيل الرابضين في عرينهم يرهبوا بعوائهم كل من تحدثه نفسه أن يتعرض لوكلائهم .. ترى من يعيد الأمور الى نصابها ..فتعود أسواقنا السودانية للكسب الحلال .. فتحل البركة .. ويستجاب الدعاء.. و .. معاكم سلامة ...