اقتصادياً لم يعد هناك ما يسمّى بالسوق الأسود لبيع أية بضاعة غائبة عن الحضور في السوق الأبيض - هو الاسم المقابل أليس كذلك؟ - فقد امتزج السوقان وأنتجا لنا السوق الحالي المتاح فيه كل شئ وبأي سعر وبالتراضي.. والصفحات والنشرات الاقتصادية في الصحف والأخبار اليومية تفرد جانبياً أسعار الأسواق المحلية من الذهب وحتي الأسود (الباذنجان) كخدمة قبْليّة لمن يريد الشراء أو البيع، لكن ما لا يعرفه الخبراء الاقتصاديون في هذه النشرات والصفحات أن سعر بيع كيلو البطاطس في سوق (لحظة) بدار السلام - جنوب سوق ليبيا - يختلف تماماً عن سعر بيعه بالسوق المركزي جنوب الخرطوم! والاختلاف في السعر لا في البطاطس بالطبع، لأنه كما يراه البائع خالٍ من العيوب السمادية، وكما يراه المشتري طازج «ما بتاع أمس» ! وكذلك سعر بيع جرام الذهب في مجمعه الخرطومي يختلف -ويقلّ - عن بيعه في دكاكين الذهب في سوق (ستة) جنوب الخرطوم! لكنها بالطبع ليست ذات التصاميم والنقوش والزنّة الجرامية! يقول بعض التجار إن اختلاف الفئات الشعبية في تلك المناطق هي التي تحدد سعر البيع للسلعة المعنية.. وآخرون يقولون (البيع بالتراضي.. إذا وافقك السعر تشيل وإذا ما وافقك تخلي.. ما في زول بيجبر زول.. والأرزاق بيد الله) والناس في عمومها تعرف أن التجارة بجانب أنها شطارة تبيح الطمع في النفس التاجرة، فهناك من يوافق بربح نسبته %2 ليضمن تجارة مستمرة - ربح قليل لكنه مستدام - وهناك من لا يرضى بربح أقل من %30 ولو كسدت بضاعته على الأرفف «الأرزاق مقسّمة والعمر محدود.. والهواء عن كريم بابو مو مسدود!» وبين هذه النسب المتفاوتة من مطامع التجار - الإجمالي والقطاعي - يتسرب الناس لشراء احتياجاتهم اليومية والشهرية والسنوية.. يفترضون أنهم حصلوا على صفقة مربحة إذا نقص سعر البيع عمّا قرأوه أو سمعوه جنيهاً واحداً! والصفقات المربحة في شأن البيع القطاعي بشكل أخصّ - فهو ما يهم الناس - تنزل برداً على خانة الربح الصغير المستمر، لذلك لا يختلف بائع قطاعي أبداً مع مشتري حول فرق السعر بينه والسوق الكبير، فبحسابات بسيطة يعرف المواطن أن هذا الفرق يدفعه لكي يصل إلى السوق.. ولراحة جسده وزمنه يكتفي برضاء تام بسعر بائع القطاعي . وانتشار منافذ البيع في الأسواق والأحياء وعلى الطرقات الجانبية - أنظروا السوق المتحرك على إشارات المرور والأرصفة - وبلائحة أسعار تناسب كل الأذواق الصرفية يؤكد حقيقة اقتصادية ناجحة في توفير البضائع الاستهلاكية للشعب وبدون مواسم تخزّينية تثير الهلع الشرائي لدى المواطن وتحيله إلى مخزِّن بدلاً من مستهلك! و يعزز ثقة المستهلك بالسوق إذا كان يحمل في حافظته بالطبع التصاريح النقدية للدخول! لكنه للأسف يبيح بشكل قاطع صرف المدخول الشخصي للفرد لصالح القوة الشرائية للسوق، وبالتالي للتجار، مما يعيد الفرد مرة أخرى لمربع الفقر الفردي ويضع التجار في سلة غذاء الشعب يتحكمون في توزيع السلطة - بفتح السين - والخضار والموز.. والذهب! والجهات الرسمية من وزارات معنية بكل هذه البضائع والناس وأسعار البيع والشراء.. تكتفي فقط بما يعنيها من ضريبة دخل تأتيها من التجار أو المواطن. أما مسألة توحيد الأسعار بما يتناسب وجميع فئات الشعب فهذا أمر بعيد تمام البعد عن تنفيذه، ولو في فترة حاكمة قادمة، لأن السياسة الاقتصادية منذ سنوات مضت حوّلتنا إلى مستهلكين وليس منتجين، والدليل كمية الفواكه الواردة من الخارج وكذلك الخضار - ولن نذكر السكر والأجبان! - و«كلو بالتراضي» ! والتراضي الذي يجب أن يكون سمة للبيع القطاعي أو الإجمالي هو تراضي السعر الثابت بين كل فئات الشعب وفي كل الأسواق المركزية والطرفية، وما تذكره النشرات والصفحات الاقتصادية وما تستطيعه حافظاتنا النقدية.. وليس تراضي النفوس والضمائر!