الجمال ضالة منشودة يبحث عنها الإنسان في كل زمان ومكان، فأينما وجده وجد راحة نفسه وزال كدره، وهو يختلف باختلاف أمزجة الناس، ولكن من معجزاته أن يتفق الجميع على (فوزه)، بلغة الانتخابات، أقول هذا وقد ساقني حسن طالعي إلى زيارة تلك اللوحة السياحية المسماة (أم سنط)، القرية التي تتكيء على صعيد جنوب مدينة ود مدني في هدوء لا يكدره مكدر سوى أن كل مساكنها تشتاق إلى انسراب أشعة الشمس إليها، لأن تشابك أشجارها ذات الفاكهة المتنوعة والألوان المختلفة يحرمها من ذلك، إن كان ذلك مما يعد من الحرمان، ناهيك عن جنانها المتراصة بخيراتها على الشاطيء الغربي لنهر النيل الأزرق على مدَّ البصر، أما غابة أم السنط والتي منها كان الاسم لهذه القرية الوادعة، فهي صارت مكاناً للرحلات من كل حدب وصوب، فهي غابة متناسقة النمو متشابكة الأغصان ممتدة الظلال، مما يبهج كل قادم إليها، فهذه الطبيعة الخلابة والضاربة بجذورها في تاريخ المكان، قد أضافت لأصالة أهلها وكريم سجاياهم عطاء ونقاء وجمالاً، فهي صفات يتذوقها السامع بأذنه حين ينطقون، ويدركها بالسنتهم كرماً، وبأعينه صدقاً وبجلده راحة، فالإنسان ابن بيئته، فإن كانت المدن قد تطاولت في بنائها، فقد تطاولت قرية أم سنط بالعلاقات الخالصة بين أهلها، فهم في ترابط متناهٍ تحسه حين يلتقون مع بعضهم، سواء في الطرقات أو في ساحة منتداهم الثقافي والرياضي، تجدهم في إقبال لا مثيل له، وقد شاهدته بعينيَّ فقد كنت أظنها ندوة تحدد لها اليوم موعداً، ولكن خاب ظني عندما رأيتهم يجتمعون فرقاً فرقاً، ولكل فرقة منهم دورها وهدفها الرياضي والثقافي والاجتماعي، لذا استفاد السودان كله بمُثلهم القيِّمة وثقافتهم المتنوعة، فقد أهدت إليه أعلاماً تفخر بهم البلاد، أمثال مولانا عبيد حاج علي رئيس القضاء سابقاً في السودان، والداعية الإسلامي فتح الرحمن أحمد الجعلي، وأبو المعالي عبدالرحمن وزير الحكم المحلي بولاية سنار، وأبناء الرجل الذي ذاع صيته بكرمه وكراماته، الشيخ أحمد الفكي والذي أهدى السودان كذلك أبناء بررة منهم: عبدالرحمن والذي كان ببرلمان الجزيرة، والفاتح أحمد الذي هو وزير للثقافة الآن بالجزيرة، والسياسي الأديب الرفيع الأستاذ يس أحمد، كما أن من رجالاتها ورموزها العمدة الريح، وعز العرب حسن رئيس الحزب الاتحادي بالجزيرة، وأبو الحسن، وسليمان الحاج بابكر ذكر الكرم، وأبو الحسن الحاج محمد صاحب ديوان (القرّة)، والأستاذ حامل لواء نهضة التعليم، الهندي محمد البشير، والعلم الزين أحمد الفكي، وعباس كتين صاحب (مرحبا)، وبها شعراء وأدباء وفنانون عرفت منهم الأستاذ عبدالوهاب فضل الله قائد نشاطات المنتدى برفقة الشريف البخيت وزملائه فكلهم وغيرهم، مما يضيق المجال عن ذكرهم، ساهموا في رفعة هذه القرية العريقة وبث روح التعاون بين أهلها، حيث التراحم فيما بينهم والذي تتجلى اسمى معانيه في شهر رمضان، فما من بيت فيها إلا وتدخله - سراً- حاجيات رمضان بأكملها، كما أن لليتامى رعاة يرعون أمرهم ويتكفلون بإطعامهم والقيام عليهم، وللمساكين والفقراء مثلها، أما المرضى بها فأهل الخير يتصارعون في تكلفة علاجهم سواء بالداخل أو بالخارج، فهذه المثل لا تدل إلا على معرفة بالدين وأصل تطبيقه في النفوس، فهو دين المعاملة كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (الدين المعاملة).. فلو أن أهل القرى والمدن حذت حذو هؤلاء لما كان فيها جائع ولا عارٍ ولا مظلوم ولا مهضوم، فهذا لعمري هو المكان الذي تفتقد خلقه الكثير من الأمكنة في بلادنا، وبذلك فقد أنعم الله عليهم أبواب العلم والحلم، وأنبت لهم في كل مكان شجرة مثمرة حتى داخل مساكنهم، لا مقطوعة ولا ممنوعة، وبث فيهم روح الرضا والاعتصام بحبل الله حتى توحدت كلمتهم لبناء قريتهم بروح التآلف والتعاون والتآزر بينهم وبين من حولهم من القرى، وإني لأرجو الله أن تحذو القرى حذو أهل أم سنط حتى يتحول يبابها إلى اخضرار في أرواحهم وأرضهم، والله سبحانه وتعالى يقول: « ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون».