ضمن الوفود الدولية، التي قدمت للبلاد وأطلقت عيونها في كل مكان لمراقبة العملية الانتخابية، كان وفد اتحاد المحامين العرب، الذي قاده الأمين العام للاتحاد، نقيب المحامين عبد اللطيف بوعشرين «مغربي الجنسية»، وهو نقيب سابق لاتحاد بلاده الحقوقي، وعضو الاتحاد الدولي كما أنه محكم دولي ومراقب.. مشاركة الاتحاد العربي جاءت بمبادرة من نقابة المحامين السودانيين، وقطعاً هي مراقبة من نوع خاص كونها تتسم بالبعد القانوني والقضائي ولا تقف عند حد الملاحظة بمعنى أن الدقة تميز المحامين أكثر من غيرهم. وبالفعل كان بوعشرين، الذي راقب العملية بثلاث عيون كما تأكد لي من خلال السرد الذي قدمة لمجريات الانتخابات. بأحد فنادق الخرطوم التقيت ظهر أمس بالضيف الزائر الذي يقود وفداً من إخوانه المحامين من بعض الدول العربية.. وكانت الحصيلة هذا الحوار: ٭ ما هي دوافع مشاركتكم في مراقبة الانتخابات؟ - قررنا الاستجابة، لمطلب نقابة المحامين السودانيين، فانتقينا ثُلة من المحامين المنضوين تحت لواء اتحاد المحامين العرب. فعمل التحري والاستقصاء، واستخراج الحقائق هي من صميم عمل المحامين، بحكم أن القضايا التي يكلف بها لمحامي في إطار مسؤوليته، أن يقوم بقرأة الملف ودراسته، وتشريحه قانونياً بل مختبرياً ويستخلص من هذا الاستقراء، مكامن القوة والخلل. ويسعي لتوظيف ما هو إيجابي في دفاعه، وقد يفعل الجانب السلبي إذا كان يشوب موضوع الإدعاء. ٭ هل تعني أنكم أحق من غيركم بالمراقبة، وبالمقابل سيقول البعض إن غيركم أنسب للقيام بالدور الرقابي؟ - المحامي رجل صناعة بحثية، وتمحيصية واستقرائية، ومؤهل بطبيعة عمله، و له فراسة، لذلك اتحاد المحامين العرب، له تأهل حقوقي وقانوني وتقني لبسط مراقبة شاملة لكل الإخلالات التي يمكن أن تشوب العملية، وهذا من فضل دعوة المسؤولين ووعيهم بأن هذه جهة حضورها ضروري لاستكمال مشهد الرقابة الدقيقة والشاملة. ٭ هل من معوقات اعترت العملية الانتخابية؟ - هناك أمران في هذا السياق، الأول الإعداد اللوجستي، والتنظيري والإعلامي والتواصلي وهي مسائل تلي المفوضية.. والثاني الإجراءات الشكلية للعملية، أي الجانب القانوني المرتبط بالطعون.. وصحيح أن العمليات سادتها مصداقية وهدوء وسلاسة وانضباط ومسؤولية من كل الأطراف. لكن بعض الإجراءات الشكلية حصل بها إنفلات غير مؤثر على العملية برمتها، إنما يتعين إستدراكه وإستيعابه من خلال التجربة. ٭ هل تعاونت معكم المفوضية؟ - الأخ الأمين العام للمفوضية كان متجاوباً معنا للغاية، حتى فيما يلي الملاحظات التي نقلناها له في أول اجتماع لحظة وصولنا. ٭ بصراحة هل ترى أن العملية صاحبتها حالات تجاوزات أو فساد أيّاً كان نوعها؟ - حدثت حزمة من الإخلالات وقد دونتها، وأسرد لك نحو عشرة منها وهي: أولاً: الدفاتر الانتخابية الممسوكة بانتظام والمرقمة تسلسلياً في تسليمها وتداولها بين رؤساء المراكز والمكاتب لم تكن بمقتضى محاضر رسمية دقيقة متضمنة لحظة تسليمها اليوم والساعة وهوية الأشخاص المتداولة، كما أنها غير مذيلة، بتوقيعات، والشخص المستلم والمسلم. ثانياً: بعض الحالات التي حصلت في بعض المكاتب كطوارئ مثل حضور شخص غير حامل لبطاقة هويته، فيستند في ذلك إلى شاهد متعارف عليه - «أبلغته أنها مهمة اللجان الشعبية»- لتأكيد صفته وأنه معروف لديهم، ولكن تكمن المشكلة في أن المعالجة لا تتم بفتح محضر بزمانها ومكانها، ولا يوقع عليها الأطراف «الشخص فاقد الهوية / اللجان الشعبية / المفوضية بالمركز» وهذه مسألة متعارف عليها دولياً. ٭ وما تأثير ذلك على العملية؟ - عدم فتح المحضر يؤدي إلى بطلان العملية الانتخابية جزئياً في المكتب الذي وقعت فيه الحالة، لكن عدم اهتمام الوكلاء بالأمر يمنع المترشح من تقديم أي طعن. ٭ وماهي بقية الإخلالات التي صاحبت العملية؟ - هناك مسائل تتعلق باللوجستك فعند إنتهاء موظف مكتب الاقتراع من مهمته تكون معه «الأرومات»- يعني بقايا الواراق «الكعوبات» ويجب أن تودع في ذات المكان الذي جرى فيه التصويت وختمها قبل تسليمها للمفوضية، والتي تحيلها للقضاء إذا كان هناك طعن بشأنها، وهو أمر متعارف عليه دولياً، وتركها فيه مساس وخدش بالعملية.. وكذلك من الإختلالات، أن بعض وكلاء المرشحين لا يلتزمون بأماكنهم، حيث يتجولون كيفما يشاءون، هذا لعب ويشكل إخلالاً واستهتاراً بالعملية، ويؤثر بصفة غير مباشرة على الانضباط. أيضاً أن فترة التدريب التي خضع لها المتدربون القائمون على العملية لم تكن كافية لهم لاستيعاب الآليات اللازمة للأعمال الخاصة بالعملية، بصرف النظر عن عامل الأمية الذي يمس العملية الانتخابية في الصميم. فالورع والوقار والانضباط في الحياة ليس كفيلاً بأن نحمل صاحبه مسؤولية قانونية دقيقة، لأن إجراءات العمل الانتخابي، عملية تجمع العمل القانوني، والخصال الفضلى وغياب الثابت دون الآخر، أكيد سيكون مؤثراً في كمال المشهد «مشهد الفضيلة والعلم والقانون».