لابد للتغيير الاجتماعي بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية من نظرية متكاملة في هذا الشأن، حتى تتجنب القوى السياسية التي تتصدى للمشروع، ما يسمونه «رزق اليوم باليوم» في التعاطي مع واقع قضاياه متماسكة مع بعضها البعض، وتفضي حلقاته إلى أخرى، مما يتطلب الإحاطة به ومعرفة الجوانب القانونية المتحكمة فيه وكيفية التأثير عليها بما يشد إلى الأمام، لكن، وبما أن الواقع نفسه مختلف من جغرافية إلى أخرى ومن زمان إلى آخر، بل ومن ثقافة إلى أخرى فإنه قطعاً لا توجد نظرية واحدة تتحكم فيه، وإنما لكل واقع معين رؤية كلية تتحكم فيه ويمكن التأثير فيه عبرها وهي تختلف عن غيرها، ولذلك توجد نظريات متعددة في التغيير الاجتماعي مما يوفر الأساس النظري للديمقراطية التعددية الذي يعزز الالتزام الأخلاقي بها، حيث تجد أساسها قبل كل شئ في تعدد المناظير الاجتماعية للتغيير، مما يكسب الديمقراطية طابعها العلمي، ويجعل في نفس الوقت لا مناص منها تحت أي دعوة كانت، لأننا حتى نكتشف طريقنا في التغيير نحتاج قبل كل شئ لحرية التفكير حتى نقوم بذلك، لعدم وجود وصفات جاهزة للتغيير تصلح لكل زمان ومكان، على الرغم من وجود معايير وأخلاقيات عامة عابرة للثقافات والأزمنة والأمكنة ولا يختلف عليها الجنس البشري، لأن غرايز حب الخير والحرية والعدل مركوزة في الإنسان منذ الأزل وإلى يوم يبعثون. وبالنظر المجرد إلى الواقع المعاش نجد أننا نعيش في واقع يتسم بفضاء اجتماعي واسع للتغيير يتمثل في اندياح شعارات التغيير عبر الأثير بالطريقة التي تجعل من السهل اندراج أي شخص فيها دون إذن من أحد أو بطاقة عضوية لأي نادٍ سياسي. لكن واقعنا هذا في نفس الوقت يعاني من ضعف القوى السياسية المنظمة والتي يمكن أن تشكل حاملاً مؤسسياً لشعارات التغيير، بل إن تلك القوى رغم تاريخها ولعبها لأدوار مهمة في تاريخ السودان إلا أنها في أضعف حالاتها من الناحية التنظيمية والالتفاف الجماهيري حولها وضعف تأثيرها في المجال السياسي، لكن يسندها في نفس الوقت ماضٍ زاهي يحجب عنها حقائق الواقع الماثل في بعض الأحيان، ولا يعدو كونه سيف عز يمكن لها أن تهز به دون أن تضرب، وإلا بانت هشاشته وربما ينكسر ويكشف أنها في المعركة بلا سلاح حقيقي فتسقط هيبتها تبعاً لذلك. فالناس يتعاملون مع ما يردد الفرد أو المجموعة من أحاديث وحين نتحدث بثقة أيام العز الثوري في الستينات، فإن خصومنا يستعدون لمنازلة خصم بإمكانات لا قبل له في الواقع بها فتكون الضربات موجعة وماحقة في بعض الأحيان، لأننا في الواقع لا نملك أدوات المواجهة - لانقابة تعلن الإضراب العام، ولا دبابة تطلق النيران، وإن الخطابات النارية لن تغني شئياً عن كثافة النيران حين يحتدم الوغى، اللهم إلا اذا كنا نراهن على قوة غيرنا، وهو رهان جربناه، وكان كظل الضحى، لم نجده حين انتصفت هجيرة الإنقاذ بعد نيفاشا دون الخوض في تفاصيل ما حدث.