بابو نمر يتميز بطريقة أسطورية تجمع في وعاء واحد ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ، فهو شخصية قد حازت على تقدير رجالات الإدارة الاكفاء في عهد الإدارة البريطانية في السودان فضلاً عن أنه ينظر إليه القادة الرسميون والشعبيون على السواء علي أنه ليس مرجعاً للمواقف التاريخية فقط بل على أساس أنه أنموذج حي للحكمة التقليدية ومسايرتها لروح العصر في السودان وان الكلمات لا تعكس المعرفة التقليدية فقط ولكنها تجمع معها العبقرية اللغوية . في موضع آخر يقول ذات السياق وانا في البحر هنا لمن يكون في أي حاجة بين الناس انا برسل ليه وهو ذاته بيجيني وانا وهو نمشى سواء للمشكلة بتاعة العرب دي عشان نحلها والعرب بيقولوا كلامه يعني محترم جداً عند العرب أنا بأخذه معاى للمشاكل بتاعة العرب علي شأن نحلها كان في المجلد هناك برضه في أى مشكلة ولا عندى أى غرض أنا وهو نركب سوا فوق الخيل وبنمر ناخذ سبعة يوم ..ثمانية يوم في القبيلة بره بخيمتنا مع الناس .. أي حاجة يعني بحلها معانا بكل أمانة . ويسأله المؤلف بيقول الناس أن وجود الدينكا نقوك النهار ده في الشمال سببه دينق ماجوك .. فيرد والله طبعاً العلاقة بتاعة الدينكا والمسيرية الحمر بالذات علاقة قبلى أنا وقبالو هو وقبل أبوي وقبل جده أبهاتنا جوا لقوا العلاقة دي موجودة ونحن جينا لقيناها موجودة وبتذكر أنا في مؤتمر كادقلي لمن انا بتكلم مع أولادنا بقول ليهم : تعالوا نحن ابهاتنا خلوا لينا بيت ظليل ودخلنا فيه بنوه جدودنا وبنوه ابهاتنا ونحن لقيناه وقعدنا فوقه فالعلاقة قديمة بعدين حالتي أنا مع دينق ماجوك حالتنا واحدة .. ويمضي قائلاً : الجماعة المفتشين الإنجليز عايزين يمهدوا لفصل الجنوب فقالوا لدينق أحسن تمشي الجنوب والناس ديل أهلكم وناسكم وحالكم و .. و.. ولغتكم واحدة وجنسكم واحد وكلام زي ده هو ما كان رضيان الكلام قالوا ليه تقوم مع العمدة بتاعك وتمشي واو تمشي تشوف المسألة دى وتشوف الناس عايشين كيف .. مستر أوين كان المدير هناك .. مشوا من هنا بعربية .. أدوهم لفة هناك في قوقريال وأظنهم مشوا أويل وواو .. جوا مقتنعين على أن حالتهم اللي هم فيها دي ما موجودة هناك هم هنا يعني في حالة أخير مما جوا والله شافوا علي هناك .. قالوا يا علي مبروك .. مبروك .. مبروك .. يعني نحن خلاص اقتنعنا مصلحتنا في معيشتنا هنا .تراث الأجداد ليس انسياقاً مع نظرية المؤامرة ولكن إمتثالاً للواقع يمكننا أن نؤكد أن العلاقات الاستثنائية التي استجدت بين المسيرية الحمر والدينكا نقوك هي علاقات (محبوكة) بأصابع خارجية لها مصلحة في محو تراث دينق ماجوك وبابو نمر وهي مصلحة تتقاطع بشكل مؤكد مع مصلحة القبيلتين المتآخيتين ولا يمكن العودة بهذه العلاقات الي عهدها الذهبي الا بالعودة الي تراث الأجداد . تراث الأجداد المتمثل في العلاقة بين الزعيم القبلي وزعماء القبائل الأخري والمتمثل في مبدأ ينبغي عليك أن تعني بمصلحة الطرف الأكثر بعدا وليس الطرف الأكثر قرباً .. والمتمثل في قواعد وأسس تنظيم العلاقات وإدارة وتسوية الصراعات وقت حدوثها وقد كان هذا هو نهج دينق ماجوك وبابو نمر . ويتساءل الدكتور فرانسيس دينق في أسى (ولكن هل فات الأوان لكي يسترد دينكا نقوك وعرب المسيرية الحمر صلات الجوار الطيبة ؟ أو هل يستطيعون العودة الي عهود الناظر بابو نمر ودينق مجوك الذهبية ؟ ويرد بنفسه قائلاً : ان قصص حياتهما تسلط الضوء علي جانب هام من تاريخنا وتعمق الاحساس بما هو ممكن لأن ذلك قد حقق تماماً من قبل) . ويستطرد قائلاً : وعليه يجب ان تكون ذكريات بابو نمر و الرجل الذي يدعى دينق ماجوك مصدر الهام لنا خاصة الذين يؤمنون بقوة الصلة بين تراث الأجداد والتحديات التي تواجه الأجيال المتعاقبة . « وذكريات بابو نمر» « الرجل الذي يدعى دينق مجوك» هما كتابان للمؤلف أحدهما الذي بين أيدينا والذي سبق أن ذكرنا انه يتكون من ثلاثة مقابلات مع الناظر بابو نمر والثاني عن والد المؤلف الذي يبدو انه مأخوذ تماماً بألق العلاقة التي ربطت والده بالناظر بابو نمر وانعكاسات هذه العلاقة علي مجمل العلاقة بين القبيلتين المتجاورتين المتداخلتين وانعكاسات كل ذلك علي العلاقة التي تربط بين جنوب وشمال الوطن في هذا الوقت العصيب الذي صار فيه فصم هذه العلاقات هدفاً للعديد من القوى المتنفذة دولياً وبعد لا بد من كلمة ختام في هذا الحديث عن مؤلف الكتاب - علي شهرته وتأثيره الواضح في اتجاهات الرأي العام السوداني- فهو الدكتور فرانسيس دينق ماجوك .. ولد في أبيي بجنوب كردفان عام 1938م وتلقي تعليمه في جنوب وشمال السودان وأكمل تعليمه الثانوي في مدرسة خورطقت بشمال كردفان ثم التحق بجامعة الخرطوم حيث نال ليسانس القانون بمرتبة الشرف عام 1962م .. وبعد ذلك واصل دراساته العليا بانجلترا والولايات المتحدة حيث نال الدكتوراه في القوانين في جامعة ييل عام 1967م . وعمل الدكتور فرانسيس لمدة خمسة سنوات بقسم حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة بنيويورك وقسم القانون الافريقي في جامعة كولومبيا كما أصدر بحثاً فوق درجة الدكتوراه وذلك في نطاق جامعة ييل عن القانون والتحديث وبعد ذلك التحق بالخدمة الخارجية في عام 1972م وعمل سفيراً للسودان في الدول الاسكندنافية والولايات المتحدةالأمريكية ثم عين وزير دولة بوزارة الخارجية وبعده عين سفيراً للسودان في كندا وهو الآن يعمل مساعد للأمين العام للأمم المتحدة لشئون اللاجئين . وللدكتور فرانسيس دينق مؤلفات الي جانب (ذكريات بابو نمر) هي (التقليد والتحديث) و(الدينكا في السودان) وحكايات الدينكا والأفارقة عالمين وكوزمولوجية الدينكا ورواية بعنوان طائر الشؤم بالاضافة الي مؤلفات أخري . هذا وقد وجد كتابه الذي بين أيدينا رواجاً طيباً في السودان وعن ذلك يقول : اعتقد ان الصداقة التي ربطت الناظر بابو نمر بوالدى الناظر دينق ماجوك زعيم نقوك - دينكا أبيي والدور الذي لعبه الاثنان في تحقيق السلام والاستقرار لشعبيهما في منطقة التماس المضطربة يمثل هذا عاملاً رئيسياً في الروح الايجابية التي لقيها الكتاب واعتقد أيضاً ان من الاسباب التي زادت من مهمة الكتاب هو ان مؤلف كتاب عن زعيم عربي مرموق كان من الدينكا .