ويعني إيه لو اختفى خط هيثرو ولم يعد له أثر إلا في تذكرة أخينا الأستاذ الفاتح جبرة، الذي ظل هو الوحيد من بين عموم السودانيين متعلقاً بذلك الخط حتى ظننت إنه سيورثه.. الفطاحلة الذين أخفوا خط هيثرو يا صديقي جبرة كانوا يخططون لإخفاء خط الإستواء لولا أن فاجأهم الصباح ولا فايدة في المصباح.. ولكن هذا لن يثنينا أن نخوض في تاريخ أعظم اختراع بشري. البدايات الأولى لأي إنجاز إنساني تزخر بطرائف كثيرة عندما نسترجعها من الماضي، فمثلاً تلك الأشكال الغربية التي حاول الإنسان أن يستخدمها لكي يتمكن من الطيران .. لا شيء الهب خيال الإنسان مثل الطيران، فهو يرتفع ببصره الى الأعالي فيرى الطيور وهي تحلق بأجنحتها في الفضاء فيشعر بحسرة كبيرة لقلة حيلته في هذا المجال، وإذا كان الله سبحانه وتعالي لم يهب الإنسان نعمة الطيران والتحليق في الفضاء، فقد وهبه ما هو أغلى من ذلك، وهبه العقل الذي يستطيع به أن يقتلع سيادة الجو من الطيور وسيادة البحار من الحيتان والأسماك وسيادة الأرض من جميع الحيوانات التي تفوقه جرياً وعدواً. وبالطبع استطاع الإنسان أن يبدأ من نقطة تعتبر ناجحة بكل المقاييس في حقل الطيران واستطاع أن يبقى في الجو لمدة ثوانٍ معدودات عام 1903... إلا أن تلك الثواني كانت أثمن ثوان يتحصل عليها الإنسان بعد أن قدم أرواحاً كثيرة في هذا المجال. هل تتصور أن الرحلة بالطائرة من لندن الى سيدني في استراليا كانت تستغرق خمسة عشر يوماً والآن كم تستغرق هذه الرحلة بالكونكورد أو ما يماثلها؟ ساعات فقط ؟ إن الفرق بين تلك الأيام الخمسة عشر والسويعات القليلة في جدول أعمال الطيران يمثل ذلك الإنجاز الذي قطعه الإنسان في مجال تقنية الطيران وكسر سيادة الطيور للجو.. في تلك الأيام في بريطانيا كان الطيران يتبع لوزير الحربية البريطاني فكانوا يصرفون لكل طيار قبل أن يبدأ رحلته مبلغاً يساوي عشرة جنيهات . وكانت هذه العشرة الجنيهات تصرف للطيار لكي يستخدمها في استئجار أي نوع من الدواب، إذا حدث أن سقطت طائرته في حقل من الحقول، وذلك للذهاب لأقرب بلدة يستطيع أن يهاتف منها وزارة الحربية في لندن، فتأمل. والتطور الذي شمل صناعة الطائرات كان لابد أن يشمل تصميم المطارات وأجهزة الاتصال من أبراج المراقبة وحتى أبراج المراقبة، وإرشاد الطائرات كان لابد أن تتطور وفقاً للمراحل المختلفة للطيران.. فلا يعقل أن يتوصل الإنسان الى اختراع طائرة في حجم الكونكورد وسرعتها وأن تبقى المطارات علي حالها، ويقول أحد الطيارين البريطانيين أنهم كانوا يتعرضون لمواقف محرجة في ذلك الوقت وطريفة جداً بمقاييس اليوم وهم يحاولون الهبوط في المطارات في أفريقيا وفي آسيا، ففي تلك الأوقات أي قبل مائة عام كانت المطارات في أفريقيا وفي آسيا فسحات وسط الغابات والأحراش تم تنظيفها من الأشجار والأعشاب، إلا أن الحيوانات لم تقتنع بالجلاء عنه، ففي بعض الأحيان كان الطيار لا يستطيع الهبوط لأن أسداً ضخماً قد قبع في وسط مدرج الهبوط.. وربما تكون معه عائلته بأكملها.. فكان عمال المطارات يستعملون الصفائح الفارغة للطرق عليها محدثين جلبة وضوضاء حتى يجلوا ذلك الأسد من مدرج الهبوط، وفي بعض الأحيان كانت الطائرة تهبط إلا أن أسداً فضولياً يتقدم نحوها متفقداً هذا الشيء الذي هبط من السماء.. هل هو عدو أم صديق، وعندها تضطر السلطات الى إطلاق الأعيرة النارية لإخافته أو ربما إبادته إذا كان من النوع الذي يتغذى بالإنسان.. إن التقدم في مجال الطيران اليوم يعتبر من أكبر إنجازات العقل البشري وأضخمها. ولكن من الأشياء المحبطة أن تختفى الطائرة الماليزية بركابها وطاقمها ولا يعثر لها على أثر أو يختفي خط هيرو كأنه قد مسح بإستيكة ولا يبقى إلا صوت الفنان الراحل إسماعيل عبد المعين، ونحن نحتفل بشراء السودان لطائرة الكوميت مفتتحة خط هيثرو وهو يقول: القدو قدو آية باكلها برايا- الكومي كوميتايا بركبها برايا- وقول لي هيثرو جاي أنا والمعايا.