إن الفساد بكل أنواعه وتصنيفاته هو ما يُقعِد بالدولة ويحول دون تقدمها أفقياً أو رأسياً، بل في أغلب الأحيان تتناقص من أطرافها جغرافياً، والفساد في الواقع هو ما قطّع أوصال الدولة فلا العقول سَلِمَت منه، أما الذمم فقد تمترس وتمكن في بعضها لدرجة لوثت بيئتنا الاقتصادية والعلمية «أي نعم العلمية»، والإدارة قد طمست معالمها وأفسدتها العشوائية ثم السلحفائية الوصولية وقتلتها ديماجوجية أبو جهل الإداري في كل مرفق وتغيبت سياقات العمل الثابتة التي تعيد الجميع إلى جادة الطريق، أخلاقنا وقيمنا التي نفاخر بها الآخرين أصابها التلوث الفكري وافداً كان أو قاعداً، وقد تعددت مواعينه ودُسَ لنا السم في دسم الانفتاح القسري، وصارت مجتمعاتنا تتنفس الفساد في الهواء منقولاً ماشياً على الأرض أو مجوقلاً «بلغة العسكر» تعدو به الريح فيختال الهوينا ويتخير كيف وأين يحط رحاله، وشر من ذلك كله الفساد المهني الذي يقوض أركان الدولة المعروفة والدولة تدري وتدري أنها تدري ولكنها انشغلت بما هو في وقتها وحسب المعطيات أهم، تلك كانت حماقة العالم، وفي الوقت ذاته ليست جهالة الغافل للتذكير ونحمد الله الذي هدى القائمين بالأمر للانتباه ووضع الخطط اللازمة لإعادة كل شيء إلى نصابه الصحيح وفق المعايير التي استجدت ولكن بالطبع ليس إلى سيرتها الأولى، فالبون شاسع. الإصلإح الإداري الذي تنتويه السلطة ليس بالصعب إذا قويت العزيمة وكذلك اجتثاث الفساد غير أن المطلوب الآن هو غرس قيمة جهاد النفس الذي يشق على الكثيرين من ضعفاء الإيمان وهنا مكمن الخطورة، فقد ووجهت الحكومة في مشاويرها الإصلاحية في بعض المرافق بحروب من الداخل أفضت إلى فشل المفوضيات الإدارية الموجهة لواجبات بعينها في تنفيذ مهامها ولا تلك التي اختصت بالفساد وكشفه حتى صارت تلك المفوضيات موضع تندر في الوسائط المختلفة، فهي شأنها شأن كل إصلاح تصطدم بمجموعات تعارض كل شيء لا يتوافق مع مصالحها إدارياً أو مالياً أو أخلاقياً. لقد أحسنت رئاسة الجمهورية الفعل وهي تميط اللثام عن إجراءات طال انتظارنا لها كليلة السبت، فحبيبتنا الإدارة الجيدة وفنونها تفوق محبوبة شاعرنا المتمكن الحسين الحسن حسناًَ وجمالاً وبهاءً. لقد عايشت أجيالنا الزمن الجميل في استقامة العمل الإداري وأخلاقيات المهنة التي شكلت نسيجاً رائعاً عُرِفت به الإدارة السودانية حتى في الخارج، ويبدو أننا موعودون أيضاً بالتنفس من ذلك العبق في السنوات الخمس القادمات ولا زال بنا الحنين لما قبل الخمس خمسات التي سبقت الإنقاذ إدارياً مهنة وسلوكاً، آداباً وتأهيلاً، ويبدو لي أن وزارة الخدمة والموارد البشرية على موعد بأن تكون فرس رهان الإنقاذ في الشوط القادم من عمرها، عليها أن تعد العدة ليس لتعيد إلى الخدمة المدنية سلطانها فقط، بل صولجانها الذي اختطفته الولايات وهي عاجزة عن الإمساك به، كما أن وزارة المالية والاقتصاد الوطني عليها شد المئزر لتوفير مال التأهيل والتدريب في الخارج وفي الداخل والكرة الآن في ملعب الوزارتين. ختاماً.. هو وعد قطعته رئاسة الجمهورية على نفسها للإصلاح ولنَقُل ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وهذا الوعد استحال إلى عهد ترقب تنفيذه الأجيال القديمة لعلمها بما كان والحديثة ملهوفة لترى وتستوثق مما تسمع، ليت رئاسة الجمهورية لا تشغلها الشواغل الكثيرة عن إنجاز ما وعدت به حتى يستقيم العود الإداري في الدولة. فريق ركن