ظللت طوال الأيام الماضية أتابع معظم ما يكتب في صحفنا عن برامج الفضائيات في رمضان، ولاحظت كما لاحظ كثيرون غيري الحرب التي تبدو وكأنها منظمة على قناة النيل الأزرق وتحديداً على برنامجها (الناجح جداً) أغاني وأغاني، ولكنها للأسف الشديد كتابات لم يخرج معظمها من كونها انطباعات لا تحمل في مضمونها ما يمكن أن نسميه نقداً واضحاً، يمكن لإدارة البرامج بالقناة أن تستفيد منه (إلا القليل)، والبعض الآخر حروف تفوح منها رائحة المزاجية والمصلحة الخاصة أو هكذا بدا لنا. قناة النيل الأزرق ونقولها مرة أخرى، هي واحدة من أميز القنوات الفضائية في الوطن العربي وشاشتها هي سيدة الشاشات دون منافس، لذلك كنا نتوقع أن يجد ذلك الرضاء في نفس من يكتبون بالمزاجية، وأن يكون مدعاة لفرحهم وسرورهم وفخرهم بهذا المنتوج الإبداعي السوداني المتميز، الذي يستحق دعمهم اللا محدود وليس العكس، لأنه تجربة إعلامية عظيمة، خاصة وأن لنا تجارب مريرة مع مشاريع مماثلة كثيرة بدت ناجحة ولكنا حكمنا عليها بالإعدام ونفذناه عليها نهاراً جهاراً، ثم عدنا من ساحة الإعدام نبكي ونتباكى ونعيش مع الذكرى، وهو ذاته ما نمارسه الآن من أحكام جائرة عبر هجوم غير مؤسس على القناة، يجرها جراً على ساحة الإعدام، رغم ثقتنا غير المحدودة في إدارتها الراشدة والحكيمة بقيادة الجنرال حسن فضل المولى الذي كل ما رموه برصاص الكلمة الجارحة والقاسية رد عليهم بوردة بيضاء تحمل كل معاني الإبداع المتمثل في برامج ناجحة وجاذبة ترفع من أسهم القناة وتزيد من شعبيتها، وتؤجج نيران الحسد والغيرة في نفوس الذين لا يرون في الورود إلا أشواكها ويتحاشون أن يروا الندى فوقها إكليلا. وهذه الورود وهذا الندى لا ينفي أن نقول إن القناة الآن في أمس الحاجة للنقد البناء، وللتقويم ولتقديم الأفكار الجديدة وتسليط الأضواء على كل ما نراه يستحق، لأنها في مرحلة تجديد وانتقال للتنافس على المستوى العربي، وهي مرحلة تتطلب منا جميعاً أن نسخر أقلامنا وندخر حروفنا ليتحقق هذا الهدف الذي يمثل مفخرة لكل سوداني وسودانية، ولا أعني بالطبع أن يتوقف النقد أو نحرق البخور وندق الطبول لإدارتها، ولكن أعني أن نكتب من باب المصلحة بعيداً عن الأهواء والمزاجية والمصلحة الشخصية الضيقة. أما برنامج (أغاني وأغاني) فيكفيه أنه البرنامج الأول والأكثر مشاهدة، نرجو من الذين (لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب) أن يتابعوه بعين الحادب على المصلحة، ليروا كيف يقدم التوثيق في شكل جميل جاذب وكيف يصنع جسراً لتواصل الأجيال وكيف ينفض الغبار من أغنيات سودانية رصينة عالية الآداء أوشكت أن تغادر الحياة فيضخ في شريانها الحيوية والنشاط عبر أصوات ندية طرية، ومع ذلك نقول إنه ليس أكبر من النقد، ولكن النقد البناء. خلاصة الشوف: لمصلحة من إذا فقدنا قناة مثل (النيل الأزرق)؟ ولمصلحة من إذا فقدت القناة برنامجاً مثل (إعلاني وإعلاني) أقصد (أغاني وأغاني) الذي جذب المشاهدين وبالتالي المعلنين ليجعل من القناة سوقاً للإعلان في رمضان؟!