الهذيان ويقابله في اللغة الدارجة السودانية «الهضربة» يرتبط في كثير من الأحيان بالحمى وارتفاع درجة حرارة جسم الإنسان كما في حالات الإصابة بالملاريا اللعينة أو عند بدء زوال أثر مواد التخدير عقب العمليات الجراحية.. ونادراً ما تحدث حالات الهذيان للأشخاص المعافين.. كما ارتبط كبر السن ببعض الأمراض كالزهايمر والخرف والانفصال عن الواقع (dementia) التي تنتج في بعض من حالاتها هذيان و«هضربة». جاء رمضان هذا العام في صيف قائظ.. الجوع والعطش وارتفاع درجة الحرارة تسبب حالة تواطأ الناس في السودان على تسميتها «حراق الروح».. و«حراق الروح» أنواع.. أهلي الطيبون في ودمدني يسمون أحد هذه الأنواع «الكركارة». انصرم الشهر الكريم بكل ما يصاحبه من خير ومشاعر إنسانية نبيلة شاركنا فيها الأمريكان هذه المرة.. الشعب الأمريكي شعب طيب.. يشبهنا في أنه لا يرضى أبداً عما تفعله حكوماته كما نفعل.. حكومتهم تطعمنا عند المغرب وتذبحنا في الليل.. حدثنا باراك أوباما وديڤيد كاميرون في خطابات التهنئة للمسلمين بحلول الشهر الكريم خوفاًً من بعض السفهاء منا وطمعاً في أن نقوم بإبادتهم إنابة عنهم.. رصدنا خلال هذا الشهر عدداً من حالات الهذيان من بعض شيوخنا وكبار السن الذين يسميهم الفرنجة (Senior Citizens).. والنماذج التي سنوردها إنما هي قطرة من فيض عارم.. استثينا وزير المالية واللجنة الاقتصادية لحزب المؤتمر الوطني.. فالحديث عن هذيانهم يسبب الكآبة والاكتئاب والغثيان.. قاسم مشترك جمع بين هذه الحالات إذ حدث معظمها في ولائم إفطار يدعى لها سراة القوم ولا يدعى لها الصائمون من أهالي دارالسلام وحارات أم درمان النائية والأحياء التي يجد فيها الرعايا شربة ماء بصعوبة أو لا يجدون.. إحدى هذه الولائم طبقت شهرتها الآفاق فأصبحت أشهر الولائم التي عرفها تأريخنا الحديث.. إفطار «ود إبراهيم» أحد الناجين من حوادث بطش النظام التي تحدث في شهر رمضان.. لكم تساءلت ماذا يميزه عن ثمانية وعشرين من رفقاء السلاح؟ فاز الشيخ حسن الترابي بالمرتبة الأولى بلا منافس.. و«لا عجب» كما يقول المعلق الرياضي الرشيد بدوي.. فهو مولع بتقدم الصفوف.. لا يهم أي صف.. جاء في أحد تصريحاته «أن الحكومة ليست فاسدة».. و«أن الشعب كلو فاسد» و«كلو شيكات طايرة».. يبدو لنا أنه مع تقدم السن أصبحت ذاكرته كذاكرة السمكة.. تستشعر السمكة الخطر عندما تهم بابتلاع الطعم المعلق في الصنارة فتبتعد سريعاً لكنها لا تلبث أن تعود بعد عدة ثوانٍ ناسية الخطر الماثل أمامها.. جاء على لسانه قبل ستة عشر عاماً «أن السلطة والمال أفسدتا الإسلاميين وأن بعضاً منهم فاسدون».. جاءت إفادته بتوضيحاتها.. فأغنانا عن طلب توضيحات كما يفعل الصادق المهدي.. إذ بينا لنا أن البضع يمثل ما بين 4 إلى 5%.. أي أن عدد الفاسدين من الإخوان الإسلاميين لا يزيد عن النسب التي حددها.. من هم الإسلاميون الذين يقصدهم؟.. إنهم أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين السوداني «الفصيل السياسي لا الدعوي».. الفصيل الذي يتغير اسمه وشكله بتغير الظروف.. جاء على لسان عدد من قادة حزب المؤتمر الوطني - و هم المقصودون في إفادة شيخ حسن «أن عدد أعضاء الحزب عشرة ملايين عضو».. بعملية حسابية بسيطة لا تستلزم عبقرية يكون عدد الفاسدين من الإخوان الإسلاميين القابضين على السلطة 400 ألف إلى 500 ألف فاسد.. ليس في هذا ما يدهش.. فلقد قلنا مراراً وتكراراً أن الفساد ملازم للمجتمعات الإنسانية ولا يمكن اقتلاع جذوره.. فالإنسان المستخلف في الأرض من شيمه أن يفسد ويسفك الدماء.. وقلة عدد الفاسدين أو كثرتهم لا يدهشان.. إنما المدهش أن يصف الشيخ شعباً طيباً فقيراً كالشعب السوداني بأكمله بالفساد.. لم يستثنِ نفسه وبهذا التعميم أصبح شيخاً فاسداً مثله كمثل بقية الشعب.. نتساءل ماذا يريد شيخ فاسد من شعب فاسد حتى يجهد فكره ويعاني عنت الحبس ومذلة الإقصاء لإنقاذه؟.. أتركهم ما تركوك. في الوليمة الشهيرة وجه وحض ولا نقول حرض المجاهدين الذين فتكوا ويفتكون بالمتمردين على تذكير قادتهم بيوم القيامة.. إن القادة من الإخوان الإسلاميين ليسوا في حاجة لتذكرة.. فهم رجال مؤمنون قلوبهم معلقة بالمساجد التي فاق عددها وفاقت طاقاتها الاستيعابية حاجة العباد والتي يتعرض أئمتها هذه الأيام إلى إرهاب فكري كما لم يمارسه الإمام المهدي ضد الطرق الصوفية.. هؤلاء الأئمة لا تفوتهم سانحة إلا وذكروا عباد الله - و الإخوان الإسلاميون منهم - بيوم القيامة والحساب والعقاب.. ولعهم بالإشارة إلى آيات السور المكية لا تخطئه الآذان.. وحديث الشيخ لغو لا يمكن وصفه إلا بالهذيان و«الهضربة». في وليمة أخرى بداره وللمرة الثانية نقول وجه وحض ولا نقول حرض شباب الإخوان الإسلاميين أن «يحرجوا شيخهم و رئيسهم».. أيريد أن يثير فتنة بين الإخوان الإسلاميين؟.. أم أنه الهذيان.. في توجيهه غمز ولمز.. فهناك رئيس واحد وشيخان علمان لا ثالث لهما.. الشيخ علي الحاج من منفاه الاختياري أبت نفسه إلا أن يشارك في مسلسل الهذيان.. يبدو لنا أن دافعه خشية انطباق المثل السائر «بعيد عن العين بعيد عن القلب» عليه.. نقلت صحيفة التيار في عددها الصادر في السادس والعشرين من شهر رمضان ملخصاً لحلقة نقاش دارت في صالون أحد السودانيين في العاصمة القطرية الدوحة.. عادة ما يصيبني الغثيان كلما استمعت أو قرأت تصريحاً لهذا الشيخ.. بدا لي هذه المرة أنه يعيش في وهم كبير وأن خياله الواسع صور له أنه مؤسسة قائمة بذاتها.. حسب قوله «هو ممثل بالكامل في الداخل متابع لما يجري في الساحة السياسية وموجود فيها بآرائه».. «كل ما يردده النظام وأعلمه عن عودتي كأنه عن علي الحاج آخر أو المستنسخ».. لطفك يا رب.. هل أصبح نبي الله الخضر ولا أحد يعلم؟.. ألا رحم الله فارس أنصار الإمام المهدي النور عنقرة. حدّث الحاضرين عن لقاء مندوب الرئيس!! بروفيسور غندور بسموه في برلين.. ناسياً أن من سماه مندوب الرئيس هو مساعد رئيس الجمهورية آنذاك ونائب رئيس الحزب الحاكم.. وما زال في انتظار (Feedback) من الرئيس !! .. (What the hell, does he think he is?) .. كرر على الحاضرين ما يعلمونه.. «نحن في مأزق سياسي وأزمة سياسية في البلد في كل الجوانب وهناك فساد وحرب».. ناسياً أنه أحد المتسببين في المأزق السياسي والأزمة السياسية وأن له يداً في زيادة اشتعال الحروب الداخلية وأنه تستر على واحدة من أكبر عمليات الفساد.. ذاكرة الأمة تحفظ عبارته الشهيرة «خلو الطابق مستور».. أستاذنا الجليل شيخ إبراهيم عبدالسلام علمنا في مدرسة مدني الأهلية الوسطى في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي «أن من يكتم الشهادة آثم قلبه وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس» فهل يجرؤ اليوم أحد من شيوخ الدين الذين خرقوا طبول آذاننا بكلمة الله على وصف الشيخ علي الحاج بشيطان أخرس آثم قلبه؟.. لا أظن.. في هذيانه حدث مستمعيه عن ما يسمى وحدة الإسلاميين قائلاً إنها «ليست أولوية.. بل الأولوية أن نحافظ على ما تبقى من السودان»!!.. لا أحد يخالفه هذا الرأي.. إلا أن أخطر ما جاء في حديثه أنه كشف «طابقاً مستوراً» دون أن يدري حين قال «إن في وحدة الإسلاميين فزعاً للآخرين ونحن جزء من المنظومة العالمية».. ما انفك إخوانه في الداخل يتبرأون من عضوية التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وكأنه «جنى حرام».. الصفة عزيزي القاريء مقتبسة من أقوال رئيس الجمهورية في معرض تعليقه على وثيقة الفجر الجديد.