وأنا شديد الإعجاب بالمرأة السودانية.. عنيف الانحياز الصارم الحديدي لكل قضاياها.. أتمترس في خندق واحد بجانبها دفاعاً عن كل حق ضائع أو عدوان غاشم.. تدهشني بروعتها وجسارتها.. أنتشي بفرح طفولي عند كل إنجاز ونجاح لها. واليوم يا أحبة نحن في حضرة امرأة رسمت بألوان قوس قزح لوحة باهرة على أرصفة «لندن» ونشرت لوحات على أرصفتها المغسولة بالجليد.. وكان ذلك كما أسلفت في تلك الأيام البيضاء عند منتصف رمضان وأنا أحتضن الراديو.. وفي سهرة رائعة دهينة ثرية ومترفة كانت هي ذاك العطر الفواح الذي تسرب حتى بين الذبذبات.. عرفت وبالفرح كله وبالفخر كله أن هذه الأنثى تقود «بص» لندن المهول الأحمر.. لم أتوقف طويلاً عند احتشاد عقلها بثقافة شاسعة.. ولا توهطت مندهشاً عن شهادة تخصصها قبل أن تبارح وتفارق الوطن في تلك الأيام المفزعة.. فقد كانت الشهادة تعلن أنها خريجة كلية الدراما والموسيقى والمسرح.. فقد امتلأ صدري حتى فاض.. واحتشد عقلي حتى كاد أن «يطرشق» وهذه المرأة تقتحم عرين الرجال.. وتشمر عن ساعدها.. وتقود «بصاً» في قلب «لندن» قلب العالم الذي كان ينبض وما زال ينبض.. وسرح خيالي.. ثم عدت مسرعاً تلميذاً.. بل طالباً منتبهاً في مدرسة كانت هي مديرها وأستاذها ومحاضرها.. أن تقتحم امرأة مهاجرة وفي قلب أوربا مؤسسة نقل هائلة تاريخية وفي جرأة حميدة تنضم سائقة في ذاك الأسطول الرهيب.. وكان ذاك هو الدرس الأول.. ثم كان الدرس الثاني وهو طي شهادة تخصصها وعدم الانكفاء عليها.. بل الاكتفاء بتلك الدروس الرائعة التي حتماً قد أضافت لمسات فنانة إلى شخصيتها.. وكان الدرس الثاني.. أما الدرس الثالث وهو أهم الدروس فقد كان هو الرفض الصارم والقاطع والحديدي لحالة ما زال الكثيرون من أبناء الوطن الذين ضاقت بهم بلادهم واحتضنتهم المهاجر والمنافي.. حالة الاكتفاء بمنح تكفل وتوفر الظل ونعيم أود الحياة ثم إنها «عطالة» لذيذة.. وأجر مدفوع بلا عمل.. و«ماهية» من غير توظيف.. أما «آسيا» فقد اقتحمت ذاك المجتمع البريطاني واندمجت في إمبراطورية كانت يوماً تستعمر هذا الوطن.. وها هي «آسيا» تحدت وبياناً بالعمل أولئك القوم بأن السودان قادر أن ينجب من رحمه الكريم الولود.. أبناء لا يقلون روعة وخطراً وإبداعاً عن رصفائهم في كل القارة العجوز.. أنا لن أنقل لكم يا أحبة ما دار في تلك السهرة المترفة.. الحافلة بالروعة والمتعة والعظمة.. وإن كان لي رجاء هو الاستجداء في إلحاح والحاف من الإذاعة أن تعيد ذاك الشريط المتدفق بالروعة والبهاء.. أما سعادة .. يكفي أنها سعادة عبدالرحمن .. وأيضاً امتلأت زهواً وفرحاً وأنا استمع إليها في سهرة رمضانية كاملة وأيضاً في رمضان الماضي.. أدهشتني بجداول الحروف المتدفقة منها كما فضة مذابة على الجدول.. الآن فقط عرفت معنى.. وحصدت بكفي القصيد روائع. أحبتي بكرة ختام احتفالاتي بإبداع المرأة السودانية.. وغداً نتوقف طويلاً عن جسارة «سعادة» و«رجالة» سعادة وذلك عندما نطالع رائعتها «أنا بكرهك».