٭ يسطر قلمي اليوم شأناً آخر.. وبعداً آخر.. قياساً بما هو متاح في حومة الإسقاط الخلقي، والأخلاق .. سيان أفرغا ما هو غامض في مجتمعنا.. وكشفوا أقنعة الفساد الأخلاقي بصورة أفزعتني تماماً.. وبدأت أرتب نفسي من غضبه الخالق الجبار.. واستشعر ما هو حولي بتلك المهابة.. وما حدث من قصص في تاريخنا داخل منظومة العرب منذ عهود خلت وما قبل الإسلام.. وأشتات من المواقف التي تناولها القرآن الكريم لا أريد أن أفصلها كمفسر أو داعي.. لأن المقام أدني من هذا الترتيب بل لا أريد أن أقحم نفسي في اجتهاد قد يأخذني لأدق تفاصيل الآيات الكريمة.. ولكن جملة المقصود. إننا في حالة ملطخة بالفساد الاجتماعي عبر مظلة الغناء الهابط الذي أفسد مذاقات النشء ووضع أجواء الانحطاط ا لأخلاقي بصورة بشعة لا يمكن السكوت عليها. أقول التصاعد في الغناء الهابط فتح منافذ «الاستهواء الذاتي» وبدأت مشروعية الزحف بإشارات معيبة يصنع وتيرة التدني وينهي أهم مرحلة للتحسب لما هو أخطر.. لتبدأ الأغنية الهابطة تسير في مسالب تفضي إلى كشف أقنعة المندس من النشاذ في مجتمعنا لينفتح لنا باباً وليس نافذة لردو فعل أقل ما يمكن أن أصفها بأنها القنبلة المتنتظرة لحظة الإنفجار.. وقد انفجرت تماماً وظهرت الأصوات الفاضحة من النشاذ.. لتدخل البيت المحافظ في هذا البلد المسلم.. وتبدو أكثر انتشاراً، وهذا الأمر الذي نخافه قد وصل حداً لا يمكن تجاوزه.. وأن سكتنا عليه هكلنا .. كفانا معاناة ليبقى الغناء وصمة وعار .. بهذا سكت عليه أصحاب الوجعة!! لابد من ضرب هذا الخطاب الفاسد من مفصله ولا نريد أن تكون الأغنية هي الرسالة لمعالجة تلك السوالب الفاسدة .. ولا أحسب أن الأغنية السودانية عبر تاريخها الطويل قد حاربت مثل هذه الظواهر.. لأن الإفرازات المجتمعية تأتي من توابع الممارسات الأخلاقية وعلاجها يتم من داخل المنظومة المجتمعية أو الحد منها بمزيد من الوعي الأسري.. وكم سمعنا من أهلنا عبارات التوبيخ بعقلانية الأب أو الأم.. أو الأخ. ٭ أقول المخاطبة الإعلانية والإعلامية لمثل هذه الظواهر في أي مجتمع كان لا تعني غير مزيد من تصعيد الدخان.. ولو كانت الظواهر النشاذ تتحكم بعوامل المخاطبة الغنائية فيها لكان ما سبق دوراً.. ولكن قيود المجتمع تدخل نفسها في أمر قد يأخذ منحى آخر.. وهذا ما حدث الآن عبر مركبات لفظية لا يمكن أن تكون روشته أو رسالة تعالج ظاهرة عمرها مئات السنين.. ننظر إليها بألم ونتجاوزها بصبر.. ونضع لها حاجزاً سميكاً لأبنائنا.. ولكن المؤسف أن هناك انتشاراً موجعاً أراد أن يدخل كل بيت عبر الوسائط .. لا أريد أن أحدد.. ولا أرغب أن أحدد.. ولكن ينبغي أن أؤكد تماماً لكل مسؤول.. إننا أمام محاسبة ربانية إذا تعقبناها انفرط عقد النظام.. وقام ونشأ أبناؤنا على لونية الاستماع الفاضح والمخزي والمقرف والخطير جداً لمجتمعنا الفاضل الذي نشأ على التسامح والفضائل التربوية التي أخذت جداً عن جد.. وأعطتنا رجالاً يعتمد عليهم .. أقول اليوم وليس غداً أمامنا رسالة اجتماعية هامة وعاجلة ينبغي أن نتدراكها بوعي ونضعها أمام أجندتنا لتكون موضع التنفيذ.. وأي إخلال أو تهاون يفضي إلى الإثم العظيم وما يترتب على ذلك عنوانه واضح «وقودها الناس والحجارة» بل يكون الممنوع مرغوب.. وتلك الأصوات النشاذ والألفاظ الساقطة سمعتها جيداً.. وأصابني الوجع ومؤلمات أفقدتني القدرة على أن استمع أكثر. أقول بكل شفافية هل بهذا المعنى انتشرت ثقافة التوعية؟ هل بهذا الفهم يمكن أن تزبل من مجتمعنا.. نشاذ القوم؟ بكل أسف المرض العضال يسري ببطء ليصبح في يوم ما حالة مجسدة ومنتشرة ولا يمكن علاجها.. ومن أفظع أساليب الشعوب أن تتمد مثل هذه الممارسات وتكون لها وسطية ما يسمى بحرية التعبير في ميزان مجتمعنا الفاضل الذي نهض على مواقف سطرها بأحرف من نور.. وحتى الغناء كان في مراحله الأولية منذ انطلاقته الإعلامية؟؟ وبشكل استماعي لم يتجاوز خطوطه بل كان يعبر بوصف عاطفي متوازن.. مقبول.. ومنطقي يلامس وجدانيات المرء بقدر مرهف خاصة في الأغنية الوطنية. من هنا أقول سواقط المفردة الغنائية والإقبال عليها نادى بمزيد من الانتشار وتلاحق القبول بما هو مقبول.. في أوساط الشباب فارتفعت قيمة التذوق ليبدأ الاستعداد معد لأي مفردة ساقطة وهذا ما يحدث الآن.. وأن تجاوز الأمر بحسبانه ثقافة ضربت أعناقنا وذهبنا في مزبلة التاريخ وأرتضينا بأهداف قد تأخذنا إلى أقصى درجات الإنهيار الأخلاقي. لا أشك في سيادة الدولة لمعالجة مثل هذه الأمور في دولة لها مقامها الإسلامي الرفيع في ظل التنادي بالحريات، ولا أحسب أن الحريات يمكن أن تأخذ خليلها القادم من بؤرة الإفساد لتنعم بأندفاع عليه.. لنرى في الأجيال ما يسمى بمدارس النواعم لتكون الأغنية قد أوصلتنا حد الإسقاط الغنائي.