لكنّه قابل للنعي ذلكم هو الأستاذ الصحفي الإنسان عمر محمد الحسن الذي لبى نداء ربه فجر يوم الثلاثاء الثالث من ذي الحجة 1431ه 9 /11/2010م فمات كما الأشجار واقفاً.. وقد كان عمر يحرص على كتابة بابه الأسبوعي بعنوان غير قابل للنفي لأنّه يستوثق في معلوماته ويدقق في تفاصيلها فتصبح غير قابلة للنفي عند نشرها ولم يحدث أن تعرضت الأخبار التي ينشرها لأي نفي.. وقد تحدث عند تشييعه بمقابر الصحافة الأستاذ حسين خوجلي وهو يُغالب دموعه عن عمر محمد الحسن الذي لم يدخل مهنة الصحافة من باب (التكسّب) بل من باب خدمة الناس.. كان عمر محمد الحسن أخو أخوان وقد أطلق عليه لقب (الكاهن) السيّد مهدي مصطفى الهادي محافظ الخرطوم والذي كان عمر يعمل مديراً لمكتبه وحدث ذات يوم أن جاء (زائر ثقيل) يطلب مقابلة المحافظ فقال له عمر (المحافظ مافي) فقال الزائر (لكن عربيته واقفة) فرد عمر (قلت ليك المحافظ مافي) فقال الزائر ( الأولاد البره قالوا لي المحافظ في) فقام عمر من مكتبه وأمسك بيد الزائر وفتح باب مكتب المحافظ على مصراعيه وقال للرجل أنا قلت ليك المحافظ مافي.. كده شوف المكتب ده فيهو محافظ قاعد.. وكان المحافظ يجلس على مكتبه وهو منكب على بعض الملفات.. واقتنع الزائر بأن المحافظ مافي وهو أمام عينيه.. وأنصرف.. فقال له مهدي مصطفى.. والله ياعمر أنت كاهن فسارت لقباً له. هذه الزاوية اكتظت بالمراثي فهذا موسم رحيل الصالحين وأكون لكثرة ترددي على المقابر لشهود الصلاة على الجنائز وتشييعها ثم الكتابة عن مآثر الراحلين قد شاطرت الأخ العزيز عابدين درمة مهنته المأجورة عند الله إن شاء الله.. ولن أجد حرجاً لو تبرّع أحد القراء فأضفى عليّ لقب (درمة الصحافة) لكثرة من نعينا من الأعزاء الذين نسأل الله لا يحرمنا أجرهم وأن لا يفتنّا بعدهم. اتصل عليّ هاتفياً الأخ الكريم اللواء شرطة علي نديم مصححاً ما جاء في عمودي بعنوان عوّد خافقك على الأحزان ولا تأس والذي وجّهت فيه الاتّهام لسائق الحافلة التي صدمت المرحوم الأستاذ أمين عبد المجيد وقلت حسب رواية من وثقت بهم عند تشييع الفقيد إن المتهم هرب في خسة ونزالة واستغفر الله العظيم من حق الرجل إنّه (سائق حافلة نبيل) واسمه محمد الفاضل محمد سليمان وقد ترك حافلته عند وقوع الحادث وأسعف المصاب بعربة صغيرة تصادف مرورها للمستشفى وسلّم نفسه للشرطة.. لكن جمهرة المارة وعدم وجود سائق في الحافلة أوحى للبعض بأن السائق قد هرب بعد وقوع الحادث.. والواقع أنه قام بالواجب بكل مروءة ونخوة.. وسلّم نفسه للسلطات بكل شجاعة ونُبل.. وتحمّل كلماتنا القاسيات بكل صبر.. فأصبحت مديناً له بالاعتذار والاستغفار فأنا لا أعرفه وهو لا يعرفني.. لكن الله يعرفنا.. وقد علمت بأن المرحوم الأستاذ أمين محمد عبد المجيد قد عفى عنه قبل أن يُسلم الروح.. غفر الله لنا وله.. وأسأل الله لابننا محمد الفاضل محمد سليمان أن يخفف عنه وطأة وزر القتل الخطأ ويُكفر عن نفسه بالصوم أو الإطعام مع عفو المجني عليه عنه.. فلا شك أن موقفه يدل على الشهامة والحمد لله أن فينا بقية من (قيم) كنت أحسب أنها قد (رفعت) فوالله لقد خفف عني الحزن هذا الاعتذار العريض.. والعفو الذي أصدره المرحوم أمين قبيل وفاته عنه نسأل الله أن يرفعه به درجات في جنّاته.. وقد اتّصل بعض الإخوة في البنك الإسلامي السوداني بالأستاذ علي فقير ليبلغونني التصويب الذي سبقهم به أخي الصديق اللواء علي نديم والذي كان رفيقاً للفقيد العزيز وصلوا معاً فجر ذلك اليوم قبل أن يقع الحادث الأليم. عمر محمد الحسن.. مأمون عوض أبوزيد.. أمين محمد عبد المجيد رحلوا تباعاً وخلّفوا لنا الأسى والذكرى الطيبة والذرية الصالحة والصدقة الجارية ولا نزكيهم على الله فلله ما أعطى ولله ما أخذ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم و«إنّا لله وإنّا إليه راجعون». وهذا هو المفروض