هذه الأيام أقضي اجازتي بمسقط رأسي مدينة السوكي بعيداً عن تعب العمل الاعلامي وضغوطه التي تفوق الاحتمال، ممنياً نفسي الاستمتاع بالاجازة في مراتع الصبا وربيع الذكريات وممارسة هوايتي المحببة وهي العمل في مجال الحدادة بورشتي الصغيرة بالمدينة.. لكني وجدت أن هذا الأمر ما هو إلا فكرة مزيفة، حيث أن القضايا والموضوعات كثيراً ما تسيطر عليك وبلا حدود وتجرك جراً بلا هوادة لتجد نفسك لا فكاك البتة منها، فتحرك فيك الساكن تحريكاً لا شعورياً، ودونما تردد تنساق وتنفذ الى العمق لتدلو بدلوك فيها، إيماناً منك بأهمية المشاركة في تناول الموضوعات والقضايا الحيوية التي تمر بها البلاد وتسيطر على الرؤية الكلية للدولة والتي تحتاج الى قراءة واقعية ومسؤولة بعيداً عن الإحباط وهزيمة الأفكار الناجحة، والتي يمكن أن تشكل مرتكزاً قوياً ومؤشراً فاعلاً لبناء قاعدة يرتكز عليها جزء من التخطيط الاستراتيجي لجعل هذا السودان قطراً فاعلاً يؤدي ويمارس دوره الريادي عملاً لا قولاً، في جعله مصدراً للأمن الغذائي للمحيطين العربي والافريقي ومن ثم العالمي، في خطوات محسوبة ويخطط لها وفي فترة وجيزة بعد ايلاء الموضوع الأهمية التي يحتاجها والعمل بجدية تامة وعلى وجه السرعة، وتذليل كل الصعاب والمعوقات التي تعترض المشروع، والتي تضع السودان في المسار الحقيقي والصحيح لإنجاز هذا الحلم، والبدء الفعلي في تفجير موارد البلاد والاستفادة منها، لأن ذلك سيغير وجه السودان ويجعله في الواجهة التي يستحقها رغم الحصار المضروب عليه من دول الاستكبار وانصراف عرّابي التخطيط الاستراتيجي للحلول الجزئية التي لا تفيد البلاد في شيء، بل تجعلها على مر الأيام تفقد كثيراً من عناصر قوتها وبالتالي تظل مقعدة ميئوس من شفائها جراء الذي يجري، ولأن السودان في سباق حقيقي وفعلي لإثبات جديته في إعطاء الأولوية للمشروعات الحقيقية التي تجعل العالم ينظر الى السودان بجدية وثقة وقراءة واقعية للمستقبل الذي ينتظره السودان والبدء سريعاً في تنفيذ المشروعات الحيوية في مجالات الأمن الغذائي- وأقصد هنا مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والغابية وأهم منتجاتها الصمغ العربي- والعمل بجد على إزالة كل المعوقات التي تؤدي لوقف التطور والعمل في هذه المجالات الحيوية وتوظيف الأموال توظيفاً سليماً وسريعاً، فالزمن لا ينتظر والفقر يحاصر الوطن من كل الجهات، وتظل العاصمة القومية تستأثر بخيرات ونعم البلاد- وهذا الاتجاه الذي نقصده يخفف وطأة الهجرة نحو العاصمة ويعيد أولئك الذين تركوا الانتاج وتعطلت طاقاتهم بلا فائدة تحسب- حتى أصبح السودان قطراً بهذه المعاني- مستهلكاً- لا يعرف الانتاج إلا قليلاً وتخطئ الأفكار الصائبة مواطن العلل الحقيقية فتتوقف حركة الصناعة والزراعة والبناء وحتى الحركة التجارية لم تسلم.. فلابد من الانتباه واليقظة فالإصرار على المضيء في دروب الاخفاقات والسير قدماً في الحلول الجزئية كلف وسيكلف السودان كثيراً، وكما يعرف كثير من الاقتصاديين أنه يؤدي لشيوع الفقر وانتشار الفساد وفتح أبواب الفتنة لخلق مزيد من التعقيدات والمشاكل، فهذا الذي نراه- إن جاز لي- ولست بمختص ولكن أعي جيداً وأفهم وأقيّم بقعاً في خانة العشوائية، فالمشروعات التي تحقق الطفرة المنشودة للبلاد وتجعل منها قطراً منتجاً ومؤثراً معروفة ولا تخطئها العين الثاقبة والقلوب السليمة، فهي كما الشمس تحتاج فقط لإرادة سياسية صلبة وقوية من مسؤولي الدولة، الذين يريدون للبلاد والعباد خيراً ووقفة سريعة والتزام صارم والتوجه بفاعلية نحو مبادرات جديدة تجعل من زيادة الانتاج هماً، وتذليل كل الصعاب التي تواجهه بسرعة البرق لا السهم.. ذلك أنه لا سبيل مطلقاً لتوجه الدولة لترفع شعار السودان كمصدر للأمن الغذائي دون أن تولي ذلك التفاتة حقيقية، وذلك وفق خطة كلية لا جزئية والمضيء قدماً في تنفيذها في قدر زمني محدد خاصة وأننا نعرف أن السودانيين لا يلتزمون بالزمن وهو العامل الوحيد والحاسم لانجاح هذا الذي نسعى له بعيداً عن التلكؤ الذي نلحظه، فالأمر ليس شعارات أو هتافات.. ولعلي هنا أشير للتجربة المصرية في انجاز مشروع قناة السويس الجديدة والتخطيط والجدية في التنفيذ والمتابعة اللصيقة وتحديد القيد الزمني عوامل حاسمة في ظهور التنمية.. كما أن العالم يعلم بأن السودان يملك موارد وفيرة بل أكد ذلك إبان مؤتمر روما، فالأمر لا يحتاج الى تأكيد هذه الحقيقة والعالم ينتظر أن يلعب السودان دوراً محورياً ورئيسياً في توفير الغذاء لكل العالم إذا استغلت موارده استغلالاً صحيحاً وسريعاً، وهذا هو الذي ينقل السودان نقلة كبيرة وهو ما يتمناه كل سوداني غيور وكلنا يعلم تماماً المتغيرات التي تجتاح العالم وسباق المصالح وصراع القوى، فلابد من توخي الحذر والانتباه وأخذ الحيطة والالتفات للانتاج والمشاريع التي تؤدي الى الاستقرار والأمن وتقضي على الفقر، وبعد قراءة متأنية للواقع الذي يعيشه السودان أقترح أن تتولى الدولة قراراً عاجلاً ومدروساً وكسباً للزمن ودوران عجلة الانتاج يجعل ود مدني العاصمة الاقتصادية والادارية الأولى في السودان والثانية سياسياً ووضع ذلك موضع التنفيذ. ثانياً: تشييد مطار دولي بالولاية ذلك أن ولاية الجزيرة تتمتع بموارد زراعية وحيوانية كبيرة ففيها مشروع الجزيرة والمناقل، ومشروع الرهد الزراعي، ويمكن أن تلعب هذه المساحات وتفعل فعل السحر كما أن هناك عاملاً أكثر أهمية وهو قرب ولاية الجزيرة من مناطق الانتاج الأخرى، والتي كانت تشكل في مجملها جزءاً من الولايات الوسطى وأعني هنا (سنار والنيل الأزرق) فهاتان الولايتان تقعان في مناطق حزام انتاج السكر، إضافة لتمتعهما بإمكانيات زراعية مروية ومطرية كبيرة، وأعداد كبيرة من الثروة الحيوانية بأنواعها المختلفة من أبقار وضأن وإبل وماعز وتتوفر فيهما شبكة جيدة للاتصالات، والطرق البرية المسفلتة، كما أن توفر الموارد البشرية والذي يساعد في العمل والبناء، إضافة للخبرات المؤهلة من أكاديميين وباحثين في هذه المجالات وقيام مطار في هذه الولاية سيلعب دوراً مهماً في نقل هذه البقعة من السودان وجعلها تلعب الدور المنشود في قيادة العملية التنموية، لأنها تتم بتنوع المنتجات من قطن وصمغ عربي ولحوم وسكر وفواكه الصادر والحبوب الزيتية بأنواعها والقمح والحبوب الأخرى والذرة والدخن والسمسم وعباد الشمس، فالخبراء والسياسيون والاقتصاديون عالمون ببواطن الأمور ولا يحتاجون للاشارة اليهم بهذه المقترحات والتي سنوردها تباعاً في هذه المقالات، ليحددوا من أين تكون ضربة البداية الحقيقية، والتي ستلبي كل الطموحات بعيداً عن المزايدات والرغبات والنوازع الذاتية للعديد من الساسة الذين جرّوا البلاد الى هذه الدوامة.. لكن نقول للذين يغضون الطرف عمداً أو تجاهلاً أو دون دراية فالجوع والفقر يهددان الأمن والاستقرار.. اليقظة واجبة وضربة البداية تبدأ بالنوايا الخالصة والارادة الوثابة ? النوايا تكتب والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.