** الدول الغربية ستعمل على أن يكون ميلاد دولة الجنوب سلسا من خلال الدعم السياسي واللوجستي مع تأجيل التنموي حتي تبين توجهات القوى.. ** دول الجوار سيكون البعض منها قلقا من تأثير قيام دولة الجنوب على توازن القوى المتصارعة داخلها والبعض طامعا في إستثمار ظروف الجنوب سياسيا وإقتصاديا.. ** تأثرت رؤية مصر ومواقفها من قضية الجنوب بعلاقاتها بالسودان الشمالي.. وإستثمار حركة التمرد والدول الغربية ذلك. ** ليس من مصلحة السودان التورط فيما يتوقع من نزاعات في المنطقة بإنفصال الجنوب.. ** الملاذ الإستراتيجي الآمن للسودان الشمالي في إعادة ترميم وبناء جبهته الداخلية بجدية وتكاتف من قواه الجهوية والسياسية.. يمكن حصر العلاقات الحيوية لكل من الدولتين: السودان الشمالي والجنوب، إذا ما قدر للإنفصال أن يكون خيارا، في المجموعة الغربيةوالولاياتالمتحدةالأمريكية ثم المجموعة الأفريقية والمجموعة العربية وعلى رأسها جمهورية مصر العربية. ولما كان المجتمع الدولي قد إعتمد إتفاقية السلام الشامل فإن الإعتراف بدولة الجنوب المولودة عبر إستفتاء قانوني ووفق الإجراءات الإنتقالية للإتفاقية سيكون سريعا. المجموعة الغربية ستعمل على مجيء الميلاد سلسا ومتحكما في إجراءاته التأسسية من خلال إعتماد سيطرة الحركة الشعبية سلطة حاكمة وضمان ترسيخ سيطرتها لفترة أخرى على الأقل، وذلك من خلال الدعم السياسي والإقتصادي الخدمي والإداري المباشر. وربما تتأنى المجموعة الغربية في أمر الدعم التنموي لسنوات مقبلة لحين تبين إتجاهات الإستقرار السياسي والتنافس بين القوى في الجنوب حتى تتاح الفرصة لربط الدعم بما يمكن أن يحققه من مردود سياسي يصب في إتجاه إستراتيجية تلك القوى الغربية وإسرائيل. وربما لا تكون الصين قادرة أو راغبة في الدخول في تنافس مع تلك القوى في حصاد جهدها الذي بذلته حيال قضية جنوب السودان منذ منتصف القرن الماضي. المجموعة الأفريقية بشكل عام ستكون مضطرة أيضا للإعتراف بالدولة الجديدة على الرغم من تخوفها من سريان عدوى الإنفصال إلى أقاليمها بكياناتها القبلية. ويأتي ذلك الإعتراف تحت ضغط القوى الغربية من جهة وبتغليب ما تراه النخب الحاكمة في إنفصال الجنوب حاجزا أمام ما تعتبره خطرا من تمدد الثقافة العربية والإسلامية من جهة أخرى. بعض من دول الجوار ممثلة في الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى سترى في دولة الجنوب، بحكم جغرافيته وديمغرافيته والتوجه السياسي لقادته الجدد، مهددا لإستقرارها بتغليب وترجيح قيام ذلك الكيان المستقل كفة أحد الأطراف المتصارعة داخل تلك الدول على الأخرى. يوغندا وكينيا ظلتا على مدى تاريخ التمرد في الجنوب ثم خلال الفترة الإنتقالية لإتفاقية السلام الشامل عاملتين بشكل مباشر مكشوف من يوغندا ومستتر من كينيا على إنفصال جنوب السودان. فيوغندا لديها مطامع إقتصادية وأهداف أمنية وسياسية ربما ترقى للسعي لفصل إقليم الإستوائية بغرض توسعة المجال الحيوي ليوغندا وإحتواء سعي حركة جيش الرب الأشولية لفصل شمال يوغندا وصولا إلى إحياء كيان ما عرف بدولة اللادو. أما كينيا فهي تتطلع للإستفادة إقتصاديا من خلال قدراتها وخبراتها التي هي في الأصل تحت سيطرة عناصر من الدول الغربية بشكل مباشر وغير مباشر. وكينيا تبدو أكثر حظا في إستمرار إستثمارها لقيام دولة الجنوب بحكم طبيعة العلاقة التاريخية والمستمرة للقيادة السياسية الجديدة في الجنوب بكينيا وفاعلياتها السياسية والفكرية وبدعم من الدول الأوربية إلى جانب حصافة ولطف مدخل العنصر الكيني مقارنة بذلك اليوغندي الذي يتسم بعنجهية ونظرة دونية لشعب الجنوب ونهم مستعجل وسافر الوجه لمواصلة إستغلال موارد وسوق الجنوب الذي ظل مستمرا منذ إندلاع التمرد الأول وإلى اليوم. والوجود الفاعل لجيش الرب في تخوم كل من يوغندا ودولة الجنوب ربما يهدد مجمل أمن المنطقة بإحتمال نشوء تحالفات قبلية وسياسية عبر حدود وأراضي دول المنطقة. وقد لا تكون الولاياتالمتحدة والدول الاوربية بقادرة على إنهاء جيش الرب وما يمثله من تهديد وذلك بالنظر إلى تجربتها في مناطق مثل أفغانستان والصومال ومحاولتها السابقة ضد جيش الرب ذاته. ولن يكون من الحكمة أو المصلحة السياسية والأمنية أن يورط السودان نفسه بطريق مباشر او غير مباشر فيما يمكن ان ينشب من صراع سياسي أو عسكري في تلك المنطقة بما يظنه من كسب بتخفيف ضغط الإستهداف الذي يتعرض له. فأيما إضطراب في دولة الجنوب سيكون السودان هو المتأثر الاول والاكبر بسلبياته. كما أنه بحكم الخبرة العملية القريبة فإن القوى الغربية قادرة على إستثمار أي تداخل للسودان مع النزاعات في دول الجوار بإحالتها إلى وقود في معركتها الإسترانيجية ضده. إضافة إلى ان التاريخ القريب يقف شاهدا على أن حصاد السودان من إنحيازه إلى أحد طرفي نزاع في دول الجوار لم يورثه حليفا إستراتيجيا عند إنتصار ذلك الطرف. الواضح أن الخطة المرحلية لكل من الإتحاد الأوربي وأمريكا في تنفيذ إستراتيجية تفتيت السودان عقب قيام دولة الجنوب هو مواصلة ضغطها السياسي الدولي على حكومة السودان عبر بوابة أزماته وصراعاته الداخلية والمزيد من الحصار الإقتصادي ربما إلى مستوى المقاطعة عقوبة ربما بحجة عدم إلتزام السودان بتسديد ديونه الخارجية، مما يمكن أن يفتح المجال لمزيد من التدخل الأممي العسكري. أما الدول الأفريقية فسيكون بعضها المجاور متحالفا وأداة لتنفيذ إستراتيجية الإستعمار الغربي الجديد والبعيد منها سيكون تحت الضغط للمساندة السياسية على الأقل، فشواهد التاريخ القريب تشير إلى ذلك. المجموعة العربية لم تكن أغلبها تولي إهتماما ذا أثر مباشر وفاعل على موقف السودان في فترة التمرد أو خلال مفاوضات السلام الشامل ثم الفترة الإنتقالية. وذلك لأسباب متفاوتة منهاعدم إدراك أغلب الجمهور العربي وفاعلياته السياسية والفكرية لعمق تأثير تداعيات مشكلة الجنوب على مستقبل العالم العربي، بل إن غياب الوعي ذلك ربما يمتد إلى مجمل مفهوم إنتماء السودان عربيا، وليس ذلك لتقصير من السودان في التواصل والتوصيل ولكن وراء ذلك أسباب تاريخية ليس المجال لتفصيلها هنا. فمحل الإعتبار والتحليل والتعويل والتأثير في شأن الموقف العربي حيال قضية جنوب السودان تاريخيا ثم موقفها المستقبلي في العلاقة مع شطري القطر بعد الإنفصال هو موقف مصرعلى إمتداد تاريخها الحديث. إذ أن إتجاه موقفها هو المؤثر على إتجاهات مواقف بقية الدول العربية. كما أن إتجاه وطبيعة موقفها كان ذا تأثير نسبي على المدى الذي يمكن أن تصل إليه القوى الغربية والدول الأفريقية في إستهدافها للسودان من خلال بوابة جنوبه. ويمكن قراءة إتجاهات ومواقف مصر تاريخيا لمدى تأثير علاقة جنوب السودان بشماله في مسار ومآلات علاقة مصر بالأخير بالنظر إلى موقفها من تمرد توريت 1954 الذي كان مبتدر التمرد الأول وعامل إضعاف للقيادة الإستقلالية في السودان. ولعل من المفارقة أن أحد العوامل التي عجلت بإيقاف الجدل حول إستقلال السودان عن مصر كان من تداعيات ذلك التمرد. إذ أدى إختلاف الطرفين البريطاني والمصري حول أسباب إندلاع ذلك التمرد ومن ثم إجراءات معالجته إلى مساومة شملت مسألة إستقلال السودان إلى جانب حل مشاكل سياسية وإقتصادية كانت عالقة بين الطرفين داخل مصر نفسها. "راجع كتاب تمرد توريت للكاتب الجنوبي د. جون قاي نوت يو". كما أن النظرفي موقف مصر من التمرد الثاني ممثلا في الحركة الشعبية لتحرير السودان، يشير إلى انها قد ظلت محتفظة بمسافة حتى على الصعيد السياسي نتيجة لتداعيات العلاقات السلبية بين القاهرة والخرطوم منذ أواخر حكم الرئيس جعفر النميري. ولعل حركة التمرد والقوى الغربية قد قرأت ذلك الموقف بأن مصر لا ترى في إضعاف التمرد للحكومة المركزية في شمال السودان خطرا على أمنها القومي. ولئن كانت مصر قد عبرت عن عدم رضاءها عن إنفصال الجنوب من خلال رفضها المشاركة في مبادرة الإيقاد التي تضمنت حق تقرير المصير. إلا أن ذلك الموقف ربما كان متأخرا إذ أن التطور الذي قاد مشكلة الجنوب إلى طريق مبادرة الإيقاد إنما كان يحمل في داخله الوصول إلى بوابة إنفصال الجنوب. ولعل ما تحاول أن تقوم به مصر حاليا من تحرك لإحتواء المخاطر المتوقعة من إنفصال جنوب السودان، يكون بداية لعلاقة إستراتيجية بين الأطراف الثلاثة، السودان شمالا وجنوبا ومصر، تتجاوز أغراض مواجهة المهددات إلى آفاق التعاون المثمر لصالح شعوب الدول الثلاث ومن ورائهم ربما المنطقة الأفريقية بأكملها، وما ذلك بالمستحيل بالنظر إلى الدور الرائد لمصر في أفريقيا خلال ستينيات القرن الماضي. وختاما فبإعتبار ما سبق رصده وتحليله في شأن المتوقع موقفا من مجموع دول المجتمع الدولي الفاعلة في شأن السودان عقب قيام دولة الجنوب، إضافة إلى موقف دول الجوار الإقليمي، وبالنظر إلى ما يمكن توقعه من دعم للسودان الشمالي من بقية المجتمع الدولي لمواجهة تداعيات إنفصال الجنوب، فليس للسودان ثمة ملجأ آمن إستراتيجيا سوى إعادة ترميم وبناء جبهته الداخلية بجدية وتكاتف من قواه الجهوية والسياسية. وإلا فبإنتفاء ذلك التوجه فإن البقية الباقية من المجتمع الدولي، التي لا زالت ترى في السودان الحالي، وإن تقسم شمالا وجنوبا، عنصرا له حق الوجود بأسباب موضوعية؛ ربما تجد نفسها وقد سقط السودان من ذاكرتها السياسية، وقد بدت بالفعل ملامح من ذلك في إنشغال تلك الدول رسميا وشعبيا منذ فترة حتى عن التعبير الإعلامي اللفظي عن دعمها لوحدة السودان أو تأكيد موقفها على الأقل في أن لا تكون للإنفصال آثار سلبية.