٭ عرفت قرية الختمية في كسلا في منتصف الخمسينيات رجلاً من أصل يمني اسمه أبو حمامة.. وذلك نسبة لحمامة بيضاء كان يضعها على كتفه أينما اتجه.. كان إذا طلب منها أن تحلق غابت في السماء.. وإذا طلب منها أن تعود.. عادت لتهبط على كتفه في لحظات خاطفة.. بدأ أهل الختمية البسطاء يعتقدون أنه رجل مبارك فخاف عليهم السيد الحسن الميرغني «عليه الرحمة» من الفتنة فجاء إلى أبو حمامة يوماً طالباً منه أن يطلق حمامته أمام حشد من الناس فأفردت جناحيها محلقة ولكنها لم تعد كما كانت تفعل في سالف الأيام. ٭ عاتبني الأخ الشاعر الراحل مصطفى سند أثناء إجازة قصيرة أمضيتها بين الأهل، عاتبني على عدم زيارتي له وألمح إليّ أن الغربة جعلت مني إنساناً بلا «خوة» وقال إن الشاعر محمد عثمان كجراي كان يسافر من أقاصي الشرق إلى أقاصي الجنوب حيث كنت أعمل موظفاً في مدينة ملكال، كان يقطع آلافاً من الأميال فقط ليراني وأنت على بعد خطوات مني لا أرى منك زيارة تبهجني ولو ساعة واحدة، فقلت له أين أنا من كجراي، إنه الشمس ونحن له الظلال. ٭ أكدت لجنة طبية مختصة في علم الأمراض الباطنية أن المواطنين من دول الخليج هم أقل الناس عرضة للإصابة بالأمراض المعوية، وأكدت أن ذلك يعود لاعتمادهم الرئيسي في غذائهم على لحوم الإبل، وكما هو معروف عن هذه الحيوانات أنها تتناول طعامها من أعالي الأشجار، أما الحشائش الأرضية المعبأة بالمبيدات فقد تركتها لبقية الحيوانات من أبقار وأغنام وخلافها مما جعل الذين يتناولون لحومها عرضة للأمراض المعوية بمختلف أشكالها، نسأل الله أن يحمي بطوننا من «أم فتفت» وأخواتها من «المرارة بالدكوة والشطة الخضراء». ٭ صارحني يوماً أن زوجته تصر عليه أن يعمل على إرسال والده الهرم إلى إحدى مصحات دور العجزة والمسنين وإلا فإنها ستغادر منزله غير آسفة.. كنت أعلم تماماً أن قيامه بفعل كهذا سيذهب به إلى الجحيم حيث إنه يعد تعدياً سافراً على حقوق الوالدين، بعد أيام علمت أنه حمل والده الهرم ليضعه بيديه داخل ساقية من الأنين، حاول أن يمد لي يده مسالماً في حفل جمع بيننا، قلت له يدي سأقطعها إذا امتدت يوماً لتسلم على شخص مثلك باع أعز إنسان لديه من أجل لحظة دفء مع زوجة حسناء دفعت به إلى جحيم العقوق. ٭ حين توجه أحد الصحافيين بسؤال للعالم المصري الراحل الدكتور مصطفى محمود عن أجمل مشهد انبهرت به عيناه، قال: كان ذلك أثناء زيارة قمت بها إلى جنوب السودان وأفاد أنه كان يجلس في فناء المنزل وفجأة وجد نفسه محاطاً بآلاف من اليرقات المضيئة مما جعله يحس أن أجنحة من النجوم الصغيرة تتناثر على كتفيه فيضيء بها الليل، وقال إنه شعر أنها رسالة إلهية موجهة إليه لتؤكد له ولغيره «إن لله في خلقه شؤون».