من الأعمال الدرامية الخالدة في الذاكرة الشعبية، مسرحية خطوبة سهير التي عرضت خلال ما بعد أبريل 1985م، والمسرحية التي حظيت بمشاهدة ومتابعة جمهرة من المشتغلين بالدراما والمسرح، تنتقد المغالاة في المهور ولا تبعد كثيراً عن النقد المبطن للأوضاع السياسية القائمة حينذاك. تذكرت مسرحية خطوبة سهير ونحن نقبل على خطوبة فتاة دينكاوية في غاية الجمال والأناقة، لتصبح زوجة لصديقنا الصحافي والسياسي وأحد قيادات الحركة الشعبية السلطان ياي جوزيف يوم الجمعة الماضي، حيث تقدمنا لخطوبة الفتاة أمان وفق الأعراف القبلية والمواريث الشعبية. ومن تقاليد الدينكا في الزواج يتقدم أصدقاء العريس وزملاؤه وأبناء عمومته الذين يثق بهم لخطوبة فتاته وأمنية عمره، جمع منزل يأي جوزيف أصدقاء السلاح والنضال في الحركة الشعبية، وأصدقاء وزملاء له في الحركة الشعبية، وآخرين من خارج (الحوش) مثلي تجمعني بياي جوزيف الصداقة ومهنة الصحافة، وأيضاً اتحاد الصحافيين الذي لا يميز بين حركة شعبية وشيوعي، وشعبي واتحادي، وياي يكتب بلغة ويفتح قلبه للآخرين بمنهج مغاير تماماً لما يكتب. بعد تناول وجبة الإفطار بمنزل الأسرة، تقاطرت الوفود وزراء ومقاتلين وأطباء ورجال أعمال، وجوهاً ناعمة وأخرى نعمتها النعمة، ووجوهاً كادحة لربها كدحاً.. قطعنا المسافة من بحري قرب الكنيسة حتى الحلفايا والصديق قارويج يحدثني عن تقاليد النوير في الزواج التي تختلف عن الدينكا وزكريا جوزيف قرنق صامت كأنه يغالب حزنه لمقتل والده على يد جعفر نميري، و د. أشول أتاك يقول إن البقارة أقرب للدينكا لولا الجلابة وظفوهم ليحاربوا إنابة عنهم.. تم اختياري ضمن سبعة من عشيرة العريس ياي جوزيف على أنغام وألحان شجية يتغنى بها الشباب، ثم خرجت الحرائر من بنات الدينكا أجمل السودانيات.. لو نظر إليهن بغير نظرة الفتاة التي رمت العباس بالسواد. بدأت المفاوضات بين شابات من هناك ويفترض أن يكون نظراؤهن من الشباب.. لكن كان وفدنا المفاوض يضم الى جانبي الأستاذ الإذاعي شول دينق والأستاذ عبدالله الشيخ رئيس تحرير أجراس الحرية، وحسين سعد وقرويج ود. أشويل والوزير بولاية الخرطوم د. ميان وزكريا جوزيف قرنق، وللوهلة الأولى كنت على قناعة بأن صديقي ياي جوزيف من الشباب الذين تتمنى أية فتاة الارتباط به.. حتى تفاجأت برفض الفتيات لنا وللطريقة التي جئنا بها، وللوفد المفاوض الذي غلب عليه الشيوخ والكهول.. وبعد جدل وحوار اكتشفت فيه العروس وهي جالسة في الصفوف الأخيرة أن زوجها المرتقب له رصيد من الأصدقاء والأحباب. أعلنت فتاة جميلة رشيقة عن قبولهم بخطوبة ياي جوزيف فانطلقت الزغاريد والأغاني والرقصات في احتفاء لوّن جُمعتنَا بالفرح والسرور بعد أن غادرتنا الأفراح منذ سنوات.. وتقاليد الدينكا في الزواج تبحث عن مخرج وكاتب حتى تنافس في مسابقات الأفلام الوثائقية، لكننا حينما نكتشف أسرار هذه القبيلة سيذهب الجنوب لسبيله ويتركنا للأسى والدموع والحزن المقيم!