لا أستطيع أن أصف شعوري لحظتها وأنا أستمع لفنان شاب اسمه مهاب عثمان، وهو يغني رائعة النور الجيلاني (سواح)، وهو حقيقة شعور لا يوصف، ليس لأن الفنان الشاب أجاد آداء الأغنية أو لأن صوته سافر بنا في سياحة في عوالم أخرى، ولكن لأن لحظتها كان يجلس على يميني صاحب الأغنية الفنان الرائع صاحب الإبداع الاستثنائي النور الجيلاني، كانت المناسبة حفل تكريم أقيم له في (عوامة) منتدى مراسي الشوق، كانت (العوامة) تتمايل بنا يمنة ويسار، والرجل يضع يده على خده يستمع وكأنه مسافر بخياله مع أيام له كان فيها صوته يسوق السامعين (غصباً عنهم)، وهو يجوب شوارع الأغنية (جواباً وقرارا)، قلت له ألا ترى أن المؤدي قد شوَه أغنيتك!!، فأجابني برقته المعروفة وبصوت لا أكاد أسمع منه شيئاً: لا فهو قد أداها على طريقته الخاصة ولم يقلدني. النور الجيلاني فنان أكبر من أن نتحدث عنه بحروف لا تطال قامته الفنية السامقة، أو نعبر عنه بكلمات لا تساوي سيرته ومسيرته الإبداعية الإستثنائية، ولكنه يفرض علينا دائماً أن نحاول قول شيء عنه، فالفنان الكبير ظل وبعد عودته من رحلته العلاجية الخارجية في نشاط اجتماعي مكثف، لم يثنه عن ذلك صوته الذي استعصى على الخروج من حنجرته، ولم يهاجر إلى دواخل نفسه أو يشكو لأحد أو ينتظر أحد ليزوره أو يتفقده، لم يستجدي أحداً، ولم يقل إن الدولة أو غيرها قصرَت في حقه كما يقول الكثيرين، ولكنه بروح الفنان المؤمن برسالته نحو المجتمع، ظل حضوراً في كافة المناسبات الإجتماعية والمبادرات الإنسانية، بفكره وجهده وحضوره الطاغي، الذي يبث أجواء من البهجة والحيوية في كل وسط يزوره. هكذا هو الفنان النور الجيلاني الذي قدم لنا الكثير من الروائع ومن الدروس المجانية، أكد فيها أن الفنان ليس صوتاً فقط ولا حفلات ولا (عدادات)، وهي دروس نتمنى أن يكون قد استوعبها أولئك الذين أدمنوا الشكوى والصراخ وإطلاق عبارات اللوم على الآخرين، حتى وإن أصاب الواحد منهم (صداع)، يظن أن ذلك مدعاة لاستجداء الدولة والكيانات الفنية، والتي إن لم تستجب له فإنها مقصرَة. النور الجيلاني يهدينا في كل يوم جمالاً وإبداعاً جديداً معبأً في شكل محاضرات فعلية، لا نظرية، في دور الفنان نحو مجتمعه، مثلما أهدانا أجمل وأغلى الدرر الغنائية، ونحن لا نملك غير أن يصبغ الله عليه نعمة العافية، وأن يعود صوته لنعود للسفر معه في عوالم كلها حب وجمال. خلاصة الشوف: استمعت في صباح أمس للفنان صلاح بن البادية في أغنيته (كلمة)، وبالطبع أصابتني الدهشة من تلك الإذاعة العبقرية التي تقدم للناس في بداية يومهم أغنيات كلها حزن وبكاء، وبعد المتابعة عرفت أنها إذاعة الطبية، فازدادت دهشتي، لأنه من المفترض على الإذاعات أن تقدم للناس في كل صباح من الأغنيات والبرامج ما يبث فيهم روح التفاؤل، ويشيع في دواخلهم الحيوية.. وبالأخص الطبية ولكن...