٭ المؤشرات الأولية الصادرة من العاصمة الأثيوبية حول المسار التفاوضي الخاص بمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لا توحي بامكانية الوصول إلى اتفاق سريع بين الطرفين.. وفد الحكومة برئاسة إبراهيم محمود ووفد الحركة الشعبية/شمال برئاسة ياسر عرمان. ٭ الخبر الذي دفع به الصحافي المخضرم عادل الباز ل «اليوم التالي» من هناك يستحق وقفة و«إضاءة».. ذلك أن الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى، بحسب الباز، استناداً إلى حسن حمدي المتحدث باسم الوفد الحكومي، تقدمت بورقة «توفيقية» للوفودين.. ومنحتهما ثلاث ساعات (السبت) لابداء وجهتي نظرهما حول محتواها، مقروناً بما ورد في الاتفاقية الإطارية وما اتفق عليه في الجولات السابقة.. وأبلغ حمدي الباز بأن ورقة الوساطة.. التي تزاوج بين رؤية الحكومة والحركة حول وقف إطلاق النار، مع بحث القضية في محاورها الأخرى بدءاً من وقف العدائيات.. يمكن أن تقود إلى حدوث توافق بنسبته (75) في المائة خلال الجلسة المقبلة، دون أن يستبعد حمدي احتمالات- مجرد احتمالات- التوافق الكامل لتنتهي الجولة بالتوقيع على اتفاق الطرفين. ٭ لكن ما استوقفني حقاً في خبر الباز، واستحق الاضاءة، هو «التكتيك» الذي لجأ إليه رئيس وفد الحركة عرمان بإثارة تصريح المتحدث باسم الوفد الحكومي الذي قال فيه: إن ورقة الوساطة الأولى «تبنت» رؤية الحركة الشعبية.. بمعنى أنها انحازت بالكامل للحركة وانطلقت من مواقفها في صياغة الورقة.. واعتبر المتحدث حمدي أن تلك محاولة ل «تجربم وفد الحكومة».. هذه «الإثارة» تعكس بطريقة أو أخرى أن خبرة عرمان والحركة التفاوضية وضعت الوفد الحكومي في «مزنق» لم يتوقعه.. مزنق هو جزء من تكتيكات التفاوض واستخدام نقاط الضعف في منطق أو أوراق الطرف الآخر للضغط عليه وتسجيل أهداف مبكرة في مرماه. ٭ الطرف الحكومي في هذا «المزنق» لم يجد مخرجاً ملائماً سوى اللجوء «للتجمُل» أمام الوسيط الأفريقي و«الاعتذار المبطن».. حيث قال مساعد الرئيس إبراهيم محمود رئيس الوفد الحكومي: إن التصريحات مثار النقاش لم تتعرض بالطعن أو الإساءة للآلية الأفريقية رفيعة المستوى، وإنما تطرقت «لمحتوى الورقة» المقدمة من الآلية بأنها «متقاربة مع رؤية الحركة». ٭ يمكن لأي مراقب مدقق أن يلمح من أول نظرة هذا الحرج الذي واجه الوفد الحكومي ورئيسه إبراهيم محمود، بسبب تصريحات المتحدث باسم الوفد الذي لم يحسب كلماته «جيداً» بمعايير الدبلوماسية التفاوضية، فدفع وفده ورئيسه إلى منطقة الدفاع أمام هجمات عرمان التكتيكية، التي لم يجد منها مخرجاً سوى لوم عرمان بأنه «يُنصّب نفسه محامياً» عن الآلية.. وهو لوم في غير محله، خصوصاً إذا رأت «الآلية» تجاهل تصريحات المتحدث الحكومي حفاظاً على هيبة الوساطة وسمتها المحايد واستمرار دورها المطلوب. ٭ المهم أن الفرق بين «التبني» و«التقارب» هو فرق درجات وليس فرق نوع .. فالتقارب يمكن أن يرتفع لدرجة التطابق الكامل ليصبح تبنياً أو يظل تقارباً ليخدم بطريقة أو أخرى أجندة هذا الطرف أو ذاك.