هل يقرأ المسؤولون الصحف؟!..هكذا كانت الصحافة قبل ظهور(النت)و(الشفافية) تستفز أصحاب القرار الذين لا يردون على شكاوي المواطنين.. وهو سؤال يأخذ اليوم صيغة أخرى أكثر استفزازاً: هل المسؤولون يلقون نظرة على الكتب التي تساعدهم لينجحوا في عملهم وفي الرد على الشكاوي التي تهز صورة مؤسساتهم أمام الجمهور و(تعكنن المزاج العام)؟!. مشاكل الجمهور أصبحت مسرحاً مفتوحاً على شتى أنواع الإبداع الإداري والتميز الوظيفي.. فالهدف و(الشغل الشاغل) في عالم اليوم هو(إرضاء الجمهور)، بل (إسعاده).. وسام(الايزو) على قارعة الطريق، يسيل له لعاب المؤسسات، لكن الأهم منه طبعاً هو محاربة الفساد المحيط بالبيئة الإدارية، فكيف نتحدث عن حصول مؤسسة على درجة الامتياز بينما الاجواء المحيطة تزكمها سيرة(النهب العام).. لسنا وحدنا، العالم حولنا يعاني لكن هناك فرق..أنهم جادون في العلاج ويتحلون بالشفافية وهي عندهم مسألة أخلاق لا تحتاج لمكابرة. علماء الإدارة الحديثة يفضلون أن يضيئوا شمعة بدلاً من أن يلعنوا الظلام، فنجدهم يكثرون من إسداء النصح بالأخذ بأسباب (الرضا الوظيفي)، الذي يعزز عناصر الانتماء للمؤسسة ويحافظ على سمعتها، وذلك بابتكار الحلول لمشاكل الإنتاج وتحسين أوضاع العاملين.. عناوين البحوث الجديدة بمختلف اللغات تجمع على روشتة اسمها(الشفافية).. وهي متداولة بين الناس لا فرق يبين مدلولها العلمي والعامي، فهي في جميع الأحوال تعني النزاهة، تعني وجود مسؤول بدرحة (زول شفاف) اي (جلده رهيف) أي حساس تحتاجه الحياة لتستقيم..الشفافية دعوة لأن(يحس) المسؤول فيستدعي ضميره وهو يتعامل مع حقوق الآخرين. الشفافية مفردة محببة لمن يتطلعون لنهاية حاسمة للفساد، وفيها تفاؤل حيث ظهرت ضمن مصطلحات جذابة توحي بظهور مجددين لدماء الإدارة التي تصنع النجاح: الذكاء العاطفي،emotional intelligence التطوير الذاتي، السلوك الابداعي، تأثيرالكلمة على متخذ القرار، ثقافة الجدارة، إدارة الموهبة، تطوير مهارات الاداء، تنامي الاداء الالكتروني وتأثيره على سلوك العاملين، مزايا الفيسبوك في التواصل المنتج، بواعث المودة بين الجمهور والتكنولوجيا، نية متخذ القرار، الالهام الإداري، العمل بشغف.. وهكذا.. مفاهيم جديدة متصلة ببيئة العمل التي ترتقي بمكانة العاملين ومعنوياتهم وحوافزهم وظروفهم الأسرية ليعملوا برضا، بعيداً عن الظنون والشكوك، فيزيد انتاجهم..(ويسعد حالهم). وأنا أتامل هذه العناوين وصلتني هدية، رسالة دكتوراة جديدة اجازتها جامعة افريقيا العالمية بعنوان (الشفافية كسلوك وظيفي وأثرها على الاداء الإداري) للدكتور محمود الرزيقي، وهي سياحة عالمية حول ما انتهت إليه المعارف الإنسانية حول فضيلة الشفافية ودورها في محاصرة الفساد..الدراسة جريئة وتطبيقية ارتكزت على تجربة المؤسسة التي عمل بها الباحث، مما يجعل نتائجها قابلة للتطبيق ومنها الاقرار بأن(غياب المساءلة والمحاسبة يمكن أن يكون حافزاً سلبياً لانتشار الفساد).. و(أن القيم السلوكية والأخلاق هي اللبنات الأساسية للشخصية الإدارية المسؤولة المؤهلة للقيادة وتحقيق الأهداف ومطلوبات الشفافية).. قلت للدكتور نصر الدين فضل المولى المختص بالبحث العلمي وتحفيز الدارسين هذا موضوع الساعة، فباغتني بقوله- جزاه الله خيرا:( لا.. هو موضوع الساعة وكل ساعة). الشفافية تشغل العالم اليوم ضمن عناوين مبتكرة دالة على تطور في طريقة تفكير البشر لمواكبة التغيير في نمط الحياة وتلبية الحاجة للفعل الناجز الذي يصلح الحال.. قد نفاجأ بها قابعة بمكتبة مؤسسة أو وزارة، ولسان حالها يشكو الوحشة ويتساءل: من يقرأ؟ المسؤولون هل يقرأون؟.. هاهم السودانيون أيضاً يكتبون من واقعنا- كما أشرت- وهنالك آخرون تحدثهم أنفسهم بالانضمام لمواكب الغيرة على البلاد بعمل نافع فيه تجديد وتميز ومناصحة، فلا مجال لما هو(عادي) و(تقليدي) ناهيك عن ما هو(كيدي)..إني تحدثني نفسي بشيء ما من هذا القبيل أدرسه وأكتب فيه.. اخترت موضوعا باسم (الدفء الوظيفي) وذلك لسببين، أولاً: انطباعات آسرة سيطرت على خواطري وأنا أزور مؤسسات(مدهشة) من حيث المباني والمعاني، بينما تعتمل في الدواخل بقايا اكتئاب من نقيض لها يجاورها.. ثانياً: خبرة متراكمة في التعامل مع نماذج(شفافة) صادفتها خلال العمل وشكلت رصيدا من الذكريات الصادقة ونبيلة..إن(الدفء الوظيفي) أساس الشفافية، مرحلة وسطى بين جحيم الفساد وزمهرير البيروقراطية، فليكن عنواناً لنظرية جديدة في الإدارة أو قل دعوة لأن نجعل من(بيئة العمل) بمؤسساتنا (برداً وسلاماً) على العاملين وعلى الجمهور وعلى المزاج العام. صحيح هنالك مكائد ومفسدات للمزاج في موقع عملك، قد تحملك على الغضب والاستقالة ولكن بإمكانك أن تحافظ على قناعاتك وأن عظمت التضحيات.. توقع دائماً مغادرة وظيفة احببتها (فالغافل من ظن الأشياء هي الأشياء).. مظلوم؟.. مبروك.. ثق انك موعود برزق أوفر في مكان آخر ما دمت (على السليم) باقيا على مخافة الله في حق الآخرين.. وهدية على الجوال خير ختام:(مزاجك أغلى ما تملك، فاجعله مرتفعاً، لتقرأ، لتكتب، لتعمل، لتتفاعل بإيجابية.. لهذا لا تعطي أي مخلوق فرصة لتعكيره).