تعاطفاً مع معاناة مفاجئة تعرض لها إنسان له بصماته المهنية شفاه الله، تنقلت قبل أيام بين عدة مؤسسات ووزارات ومسؤولين ومسؤولات للحصول على قرار مالى مستحق يسعف الحال، فاكتشفت أن القول بأن المعاملات تغيرت للأسوأ هو من باب الواقع، لكن الإنصاف يتطلب عدم التعميم، فمن الحقيقة القول بأن الدنيا بخير ما زالت والحمد لله، فهناك حادبون مبادرون لسان حالهم (مش ناقصين). أصناف من ردود الفعل تواجهك جراء أسلوب التعامل مع حالة تستدعي سرعة البت ولو كان بالإعتذار، فاليأس هو أحد الراحتين كما يقول الشيخ الشعراوي، وتتعجب أن هذه المرافق أصحاب القرار فيها مستواهم الوظيفي متقارب، لكن يبدو أن المزاج يختلف، وكذلك المؤهلات والخبرة وتقدير الأمور، مما أورث جملة من المفارقات تسيطر على الدواوين، منها تباين أسلوب الإدارة المتبع وتفاوت طريقة اتخاذ القرار وتنفيذه، هل هو افتقاد لمنهج تدريب موحد؟ هذه المفارقات كنا نظن أنه قد قضى عليها زحف التقنية والمعلومات والجودة، فمكتب الاستقبال لا يعطي صورة لصالح المؤسسة، وقد تعذرهم فما جاءوا باختيارهم أو من باب التخصص، وهاتف المسؤول لا يرد ليغنيك عن مشوار غير مضمون النتائج، والاجتماع بعده اجتماع، وحيلة من بقوا في مكاتبهم بذل الوعود مشكورين، أخيراً قاصمة الظهر (مافي تغذية).. ربما تستنتج أن التسلسل الوظيفي تايه، وأنه لا تفويض ولا تخويل، فالقرار عند شخص واحد . وهناك (المزاج الشخصي) وضعف درجة الانفعال بالقضايا الإنسانية والحساسية المفرطة تجاه الغريب حتى تحدث معجزة، وغالباً ما تحدث لو أنك صبرت. نراعي عدم التعميم، ففي مواقع أخرى حسن الاستقبال يهيئك لمفاجآت سعيدة، أي لم تكن تتوقعها بعد أن عانيت ما عانيت فى وزارة أخرى. من هذه المفاجآت الوجه البشوش الذي يوحي لك بأنك لن تحتاج الى (واسطة)، فنتذكرأن ذلك من صميم الدين الذي درسناه في المدارس (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، ومنه تعلمنا (إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم للخير وحبب الخير اليهم، هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة)، أنت إذاً على موعد معهم ومع سرعة البت فالقرار يتم اتخاذه أمامك، وبانتظارك من يوجهك أو يتوجه معك لموقع التنفيذ وكأنه لا هم له غيرك، و(الشيك جاهز) كنتيجة حتمية لهذا السياق لمجرى الأحداث في بيئة عمل من هذا الطراز، بل المبلغ جاهز نقداً في سياق تبسيط الإجراءات والتزام جانب (يسروا ولا تعسروا). ستفاجأ بمن يحسن المعاملة حتى تظن أنك جئت (تعطيه الذي أنت سائله)، ومن المفاجآت أيضاً أن تكتشف أن هناك من يلازمك (حتى الباب) عند خروجك غانماً، البعد الإنساني يسيطر على بيئة العمل منذ الدخول وكأنه كلمة السر. نموذج الاستقبال في القصر الجمهوري يجبرك على التقدير والاحترام، وكذلك في بنك السودان بمقره الجديد والمدهش عمراناً وبشراً وإجراءات. هناك اختلاف واضح فى بيئات العمل وطرق الإدارة من وزارة لأخرى، وحتى داخل الوزارة فتبقى عرضة للمفاجأة من كل نوع. المرأة صاحبة قرار وتضرب المثل في الحضور والتجرد ومراجعة المستندات وحسن تقدير الموقف، ثم هي سريعة البت فيما يعرض عليها، إن طغيان العنصر النسوي بين شاغلي مناصب الإدارة المالية في المؤسسات العامة والخاصة محل ملاحظة، البعض يرجع ذلك لمستوى التعليم ونسبة الحضور ولاحترامهن مواعيد العمل والرغبة في تحمل المسؤولية يحدوها حرص على مخافة الله تعالى، ثم صون نفسها وأسرتها من قيل وقال. هناك تنمية واستثمارات تقع مسؤولية إدارتها على عاتق جيل اليوم بكامله، لا فرق بين رجل وامرأة إلا بالكفاءة وحسن التصرف فى المال العام، والقدرة على الإضافة والتحسين المستمر وتوظيف المال العام لإحداث توازن نفسي للعاملين، وكسب رضا الجمهور وإسناده برضا الله تعالى، ثم تحسين صورة المؤسسة بكل ذلك. إن المرأة تتغلغل الآن في مفاصل الأداء المالي كما صادفنا، وكما هو واضح من ظاهرة (نسونة) الوظائف القيادية بوزارة المالية، وتزايد مشاركة المرأة فى أعباء الأسرة والوظيفة العامة والمناصب الدستورية، فهل من قياس للمردود.. هل من دراسة تعزز القول بأن قدرات المرأة فى الإدارة تبشر بوضع مالي أفضل يتجاوز معاناة المواطنين خاصة مع الضرائب والرسوم المجحفة و(تزايد نسبة الإعتداء على المال العام) الملازمة للتقرير السنوي للمراجع العام؟ استطلعت آراء مختصين، فمنهم من يرى أن المرأة جادة وتخاف على سمعتها.. مسؤولة الإعلام الاقتصادي تقول من يدير ميزانية الأسرة وتخريج الأجيال كيف لا يؤتمن على المال العام؟.. مراقب مالي متمرس (كاريزما)، يرى أنها وظيفة للرجل كونها تتطلب (اللؤم القانوني)، أما الاستفادة من التقنية، فيبدو من تقرير المراجع العام أنه (كلما أنبت الزمان قناة.. ركب المرء في القناة سهاماً)، ومن رأيه كعلاج، أن يلازم توطين التكنولوجيا تحسين للمرتبات، مع ضبط سقف الحوافز (المرأة والتقانة) يتقدمان معاً وعالمياً بين عدة ظواهر ومتغيرات تستدعي القياس والتقويم. تقرير المراجع العام الذي يشغل الناس الآن بحثاً عن كوابح لدرء الفساد المتمادي، دليل على الحاجة لمراجعة شاملة تتيح للعناصر الأكثر كفاءة ومواكبة وشفافية وتعاملاً مع معطيات العصر والقيم، لتتقدم الصفوف. ومثل هذه الانطباعات لمن يتنقل بين مرافق مواكبة وأخرى باقية على وفائها لعهد البيروقراطية تظل انطباعات، لكنها مفيدة لتحريك التقويم، فهل من دراسة تستفيد منها ومن ملاحظات الجمهور المتضرر وانتقادات البرلمان والصحافة، لتجاوز السلبيات المتكررة وتعزيز الإيجابيات وإحداث تطوير حقيقي للإدارة ابتداء من (تبسيط الإجراءات)، إلى منظومة (الحكم الراشد)؟.. فأي شيء هو الحكم الراشد إذا لم يكن إرساء نظام إداري يصون حق المواطنين في اقتصاد عادل ويضمن لهم حياة كريمة وبيئة معافاة. دعونا نهتم بالإدارة الآن كفن وعلم، ولأنها(تأتي أولاً) كما يقول الناجحون في الحياة.