بدا واضحاً الآن أن «الحوار الوطني» قد إنتقل من مرحلة التعثر إلى مرحلة المراوحة في متاهة «اللقاء التحضيري»، الذي جاء في آخر الأخبار إنه قد تأجل هو الآخر إلى أجل غير مسمى بفعل التجاذبات بين الحكومة وحلفائها وقوى المعارضة.. ولكل منهما دوافعه وحججه التي تناقض مصالح الآخر ومنطقه. *آخر الأخبار هذه تقول إن اللقاء التحضيري الذي كان من المفترض أن يبدأ امس (الاثنين) في العاصمة الأثيوبية قد تم تأجيله للمرأة الثالثة تأجيلاً مفتوحاً إلى أن يصل الفرقاء إلى «كلمة سواء».. تنبئ كل المؤشرات إنها تربض بعيداً في أفق غير منظور. *الآلية الأفريقية المعنية بالتحضير لذلك اللقاء، وبرغم المشاورات والاتصالات المكثفة التي أجرتها مع الأطراف السودانية بالخارج والداخل وأثناء جولة المفاوضات الأخيرة، فشلت حتى الآن في الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف بحيث تجلس في ذلك اللقاء لتتفق على أجندة الحوار وأغراضه والتزاماته وضماناته بحيث يصبح حواراً مجد ومنتج ويشكل انتقالاً سلمياً من لجج التجاذبات السياسية والحروبات إلى شواطئ الآمان *فالمعارضة بكل أطرافها، وبرغم ما يعتريها من خلافات داخلية.. غير مفهومة وغير منطقية بمنظور التحليل السياسي السليم سواء في «الجبهة الثورية» أو «نداء السودان» أو «تحالف الاجماع الوطني».. لازالت ترى هذه المعارضة أن حواراً لا يبدأ من لقاء تحضيري يحدد الأجندة ويقرر الإلتزامات ويضمن تطبيق المخرجات سيصبح حواراً بلا معنى، لأنه في هذه الحالة سيكون الأمر متروكاً للطرف المقابل ممثلاً في الحزب الحاكم وحلفائه ومدى رغبتهم في الاستمرار بالأوضاع على ما هي عليه أو التنازل عن بعض ما بين أيديهم، وهي تنازلات لا يمكن التنبؤ بحجمها ومداها إلا عبر ما يصدر عن بعض رموز الحزب من نوايا. *فكم قرأنا وسعمنا عن بعض تلك الرموز بأن « الانقاذ أذكى من أن تفكك بالحوار» كما قال د. نافع علي نافع في حديث منشور له مع الزميل مالك طه ب « الرأي العام» بعد وقت قصير من بدء الحوار.. كما أن الحزب الحاكم لايزال يستمسك باستمرار «الحكومة المنتخبة» لأن تلك إرادة شعبية وشرعية» لا يمكن تجاوزها حتى بالحوار.. الذي عندهم يهدف أساساً لتوافق وتفاهم حول مستقبل السودان وكيفية حكمه، وبالتالي فهو يرفض من حيث المبدأ فكرة « الحكومة الانتقالية» حتى لو أتت من نصفه الآخر « المؤتمر الشعبي» والذي يعلن بعض قادته كالدكتور محمد العالم .. كما قال في لقاء مع «اليوم التالي» يوم السبت الماضي.. إن الحوار أعطى المتحاورين قناعة بان «حكومة الوطني» لا يمكن أن تبقى في السلطة إلى الأبد. *لكل هذا ولغيره، وهو كثير لا تستوعبه مساحة الزاوية، فإن الحوار قد بدأ يدخل في متاهة ودائرة مفرغة تبدأ من أديس أبابا حيث « التحضيري» المفترض ولا تنتهي عند قاعة الصداقة حيث يلتقي الفرقاء الداخليون يتجاذبون الأحاديث مع القهوة والمرطبات في انتظار الذي يأتي ولا يأتي.. أما الشعب فهو ليس وارد الاهتمام بما يقولون وماذا يفعلون أو ينتظرون.. هو مشغول بضيق عيشه وعسر حياته.. ولم يعد يرى أن «الحل السياسي» يمثل مخرجاً ومُقيلاً لعثرته.. وهذا في حد ذاته مؤسفٌ، لأنه يقلص مساحة الوعي وفُسحة الأمل.