من الكتابات المهمة في أمر الكشوفات الجغرافية والأنثوغرافيا عن السودان وبخاصة جنوب السودان، ما كتبه القساوسة والرهبان الذين جاءوا مع الكنائس التبشيرية والتي غزت السودان منذ بدايات العهد التركي، فمن تلك الحملات ما كتبه أعضاء الكنيسة الكاثوليكية لشرق أفريقيا في موضوع جغرافية وعلم الأجناس بالسودان خلال السنوات 1842- 1881م. وأشرف على تحريره إلياس طولونيو وريتشارد هل.. وصدر الكتاب بلندن في عام 1974م. وهو من الكتب والمراجع المهمة التي قدمت وصفاً دقيقاً ومعلومات قيمة في الموضوعات التي تناولتها، فمن ذلك: قدم وصفاً لمدينة الخرطوم العاصمة خلال الأعوام 1843-1853-1858- 1881م وهي أربع فترات متباعدة، ولكنه يقدم الوصف والتطور المعماري والبشري والحكومي والاجتماعي لتطور المدينة، من قرية مهجورة لصائدي الأسماك تقع بالضفة الغربية للنيل الأزرق، إلى مدينة حديثة شيد فيها قصر الحكومة بالطوب الأحمر ودواوين الحكومة بالحجر والطوب، والانتقال بالشوارع من المُتربة صيفاً والموحلة خريفاً والمظلمة ليلاً إلى شوارع مسفلتة ومضيئة بفوانيس الغاز.. وزهور وورود ورياحين تفوح من منازل كبار الحكام والإداريين الأتراك والأوربيين وقناصل الدول، وانتقال القرية المتواضعة إلى مصاف المدن الأوربية الحديثة. والكتاب يقدم وصفاً لحياة القساوسة والكهنة بين قبائل الجنوب وملاحظات رجال القساوسة الكاثوليك، وتمت ترجمة أجزاء منه إلى اللغة العربية في السبعينيات من القرن الماضي. - عجائب أفريقيا والاكتشافات من سنار إلى التاكا وقبائل البني العامر؛ والكتاب من وضع الألماني فردنارد روني الذي كان يعمل موظفاً في الإدارة التركية المصرية بالسودان بإقليم التاكا بالشرق، وترجم إلى اللغة الإنجليزية وصدرت طبعته في عام 1852م من لندن.. فكان من أوائل المطبوعات التي وصفت شرق السودان وقبائل البجة وذلك إبان فترة عمله 1830-1840م. هذه المجموعة من كتب الرحالة والرحلات التي قادها مكتشفون ومغامرون أوربيون زاروا أفريقيا والسودان على وجه خاص، تنوعت واختلفت وتباينت أهدافهم ومراميهم ولكنهم في النهاية سجلوا الأحداث والملاحظات عن الأرض والبشر والحياة. وكانت أيضاً طرق وأساليب تسجيلهم تختلف باختلاف خلفياتهم وثقافاتهم وأهدافهم. ولكنهم في النهاية تركوا لنا ثروة أدبية وثقافية لا نقول كلها حقائق ولا نصفها بالأكاذيب، فقد جاءت خليطاً من الوصف العلمي الرصين وشيئاً من المبالغات والأخلاط والأخطاء.. وهي جميعها بالاستثناء تعتبر من المصادر الأولية التي وثَّقت لمجتمعات ومدنيات سادت ثم بادت.. وفيها من الحقائق والمعارف والإثارة والمتعة والمبالغات والأخطاء ما يحفز إلى الدعوة والمناداة بترجمه تلك المؤلفات إلى اللغة العربية وإتاحتها لجمهور القراء.. والأمر يحتاج بجانب الترجمة إلى تحقيق تلك النصوص، فالكثير مما ذكر يحتاج إلى توضيح وشروح وردود وتعريف، على أمل أن تتولى معاهد الترجمة التابعة إلى مؤسساتنا الجامعية هذا الأمر، وبعضهم له تجارب في ترجمة بعض من أمثال تلك الكتب.. نأمل ذلك.