يدور الزمان دورانه وحركة الأرض حول محورها أو حول الشمس، تحدث لنا التغييرات التي نعلمها جميعاً، فنؤرخ للأحداث التي عايشناها ويؤرخ لنا غيرنا عندما نعبر مسافات الزمن ونصير جزءاً من الأحداث، وهكذا سنة الكون التغيير الذي يكون أحياناً بمبرراته الموقوتة مكاناً وأجلاً، وأخرى بلا مبررات، بحيث عنصر المفاجأة هو طابع التغيير.. سير التاريخ تناولت الأمم التي تسلسل قياد بعضها لعقود طويلة مرتبط بعنصر معين أو أسرة محددة أو نظام، وقد يحدث تغيير في ذلك الإطار الواحد بأسلوب أو بآخر وقد لا يحدث، ولكن في الغالب يتم التغيير، ودراستنا لتاريخ الأمم لنا فيها العِبر، والنوع الآخر هو التغيير المفاجئ قد تسبقه شواهد تدل عليه وقد لا تحدث..شد انتباهي مقال بخط الكاتب أحمد يونس بصحيفة الشرق الأوسط الغراء في عددها 13565 بتاريخ 18/1/2016م وهو يتناول تنحي رئيس المؤتمر السوداني عن قيادة الحزب لواحد من العناصر الشابة، وما أحدث ذلك من حرج أو حالة من حرج هو بالتأكيد مؤقت في أوساط الساسة السودانيين، وبصفة خاصة بعض قادة الأحزاب التقليدية، لقد أصاب إدريس كبد الحقيقة التي كادت أن تضيع، ويبدو لي أن حركة التاريخ التي أشرت إليها في صدر المكتوب تتأيد وتتأكد في حالة السودان، خاصة فيما يتعلق ارتباط التاريخ بأحداث لها علاقة بكيانات معينة خاصة أو عامة، وهذه الأحداث نتجت عنها دوامة مغنطيسية جاذبة لعقود طويلة، بحيث صار الفكاك من فلكها أو مجالها غير ممكن حتى جاءت مظاهر التغيير على هيئة تفاعلات داخلية، بعضها تمكّن من الانفلات واتخذ مسارات منفصلة ومتعددة.. والمتفحص لمسيرة أحزابنا الكبرى يتلمس هذا الأمر بلا استثناء، ولا يزال بعضها حتى بعد النهضة الفكرية التي حظي بها القطاع السياسي في هذه الأحزاب لا يزال يلتحف بثياب الأوائل الخالدين الذين مضوا بأجسادهم وبقيت أفكارهم تنير طريق الصراع السياسي. إن الممارسة السياسية السودانية لا يمكن فصلها عن مجمل أسلوب المنطقة العربية حتى بعد حقبة الاستعمار، الذي قصد في بعض الدول أن تنحصر السياسة وممارستها في بعض الكيانات أو البيوتات الكبيرة مع احتفاظها أو إحاطتها بسور من تعاليم ديمقراطية وستمنيستر التي تتلمذ عليها معظم الساسة، إن لم يكن تعلماً فممارسة، لكنها تمارس داخل الأحزاب نفسها التي لم تتغير أروقتها التنظيمية ومن الديمقراطية التي يتمشدقون بها، وحتى بعض الأحزاب العقائدية لم تجد مجالس الشورى فيها أو لجانها المركزية التنظيمية براحاً للممارسة الحقة إلا في حدود ما يحقق رؤية أو تطلعات وتوقعات قياداتها التاريخية.. وجدير بالذكر هنا أن الدساتير أو اللوائح الداخلية للأحزاب التقليدية لا تنص مفرداتها صراحة أو تعريضياً على كيفية تعاقب أو تداول الزعامة في الكيانات المعنية، بل ترك صيرورة ذلك للأقدار بنظام خلو المقعد بالوفاة أو حدوث انقلاب، وما يترتب على ذلك من مستجدات لا يمكن التنبؤ بها إلا بعد زمن.. إن الولاء للطائفة ثم الزعامة التي قد تكون في شخص واحد أو غير ذلك من مستجدات لا يمكن التنبؤ بها إلا بعد زمن.. ثم يأتي الحزب ومؤسساته الداخلية تالياً لذا نجد من الصعوبة بمكان أن يأتي التنازل عن الزعامة طوعاً، فهناك صراع الأبناء والأحفاد والأعمام ثم صراع الطبقات المستنيرة التي تكلف فقط ولا تقود إلا في حدود وصراع الأجيال النخبوي، وما جره لكثير من الأحزاب من تشظٍ نتيجة للتباين الفكري في بعص الأمور التي استجدت على الساحة الاجتماعية السياسية والاقتصادية، وهنا لابد لنا من الإشارة إلى التغييرات التي تمت والتحولات في أساليب القيادة والطرح، وليس الغاية ثم الممارسة التي قادت إلى الانشطار الكبير في الحركة الإسلامية.. كل هذه التحولات والتغييرات تتطلب تهيئة فكرية وقيادية للقيادات الكبيرة أولاً، ثم للصفوف الثانية من القادة وتأهيلهم لاستلام المهام ومواصلة المسيرة الحزبية، هذا إذا كانت النفوس تسمو فوق رغباتها الشخصية، ولكن في حالتنا السودانية الراهنة وربما لعقدين أو ثلاثة عقود فإن تنازل القيادات التاريخية والمنسوبين إليهم يبدو ليس من الاستحالة ولكن من الصعوبة بمكان؛ لأن الفهم المسيطر هو فهم الحق الوراثي حتى لدى الطبقة المستنيرة منهم، الأمر الذي قاد أو أفضى إلى هجرات داخلية بينية وأخرى خارجية، خاصة التي تتطلع ليس للتسلق ولكن بحكم التدرج التاريخي الوظيفي والقيادي للكوادر الحزبية المؤهلة وأن يتم الإبدال والاحلال بقيادات شابة واعية مستنيرة لا تحتكم إلى الأسرة أو العائلة في نهجها، بل الديمقراطية.. ولنا في بريطانيا التي تنازلت طوعاً عن التقليدية الأسرية وباتت قيادة الأحزاب لمن يعلم كيف يقود ويسوس ولا يجوس، فمتى تتعلم أحزابنا التقليدية التي سوَّست قياداتها أن تقلد؟. فريق ركن