الحياة مليئة بالمفارقات والطرائف والعبروالمواعظ ولايكاد يمر يوم دون أن يشهد الناس شيئا من ذلك في الأسواق والشوارع والمنازل وأماكن العمل، فلو أن الناس حرصوا على جمعها وتدوينها لأمتلأت بها المجلدات الضخمة والقنوات الفضائية والصحف والمجلات وغيرها ، ولكن لسرعة ايقاع الحياة ومشغولياتهم بما يهمهم من بحث لمأكلهم وأمنهم ورفاهيتهم لايلتفتون إليها إلا نادرا ،وقد يأخذ كل منهم مايلائم حاله ويدعم مسيرته ومعتقداته ويوافق ميوله ، ثم يذكره لحادثة أو موقف يناسبه وقد ينسونه فسبحان الله ،وأمامي الآن مثالان أذكرهما حدث أن عماَ لنا اسمه العاقب العباس اشتهر بشهامته وحكمته ،كان يقف في طريق مدني ليعبره وقبل أن يعبر استوقفه رجل قد تعطلت عربته الملاكي الطويله الفارهة وطلب منه (دفره)، فأبى أن يعينه بقوله له :( لا..حرم يدي ما أمدها عليها)؟ فصمت الرجل مستغربا ،وظل حائرا ينتظر معينا آخر ، ولكن عمنا ظل واقفاً بجواره رغم حر النهار ينتظر معه ،وفي أثناء وقوفهما يمر خمسة من شباب القريه لتنفرج أسارير الرجل ،فيطلب مساعدتهم ولكن باصرار شديد صاح عمنا فيهم، يمنعهم مساعدته ، ففغر صاحب العربه فاهه مستغربا ،ولسان حاله يقول (لاترحم ولاتخلي الناس ترحم)! وتزداد حيرته وغضبه واستغرابه ليسأل العم سؤالا يا حاج: هل نحن التقينا من قبل؟ فيرد لا والله! هل بيننا سابق معرفه؟ فيرد لا والله. وما شفتك غير اليوم !فيقول له صاحب العربه:( طيب مالك معاي) فيسأله عمنا سؤلا إنت جاي من وين؟ فيقول له صاحب العربه من سنار فيرد عمنا انت جائي من سنار مسافة الخمسمائة كيلو دى مالاقاك مسكين ولا مقطوع تشيلو معاك؟! فأدرك الرجل خطأه ، وعرف السر وحفظ الدرس ثم أعانه الحاج، وحكي لي أحدهم أن رجلا يسكن في عمارة ذات طوابق وجاره رجل مسكين كادح يسكن في بيت من الطين مع أطفاله ،وكان جاره ينزل من علوه هذا ويعبر بجواره من غير سلام أوكلام ، بصرف النظر عن تفقده ومساعدة أسرته أو زيارتهم والسؤال عنهم ، فيركب عربته كل صباح ذاهبا إلي حيث يريد وجاره المسكين من خلفه بذات الشارع لعمله علي قدميه ،وظلت الحال هكذا سنين هذا في كبريائه وذاك في صبره وذات يوم سمع المسكين صراخ واستغاثه زوجة المتكبر! فاندفع نحوه وسمعها تقول إن اولادها داخل الغرفه التي اشتعلت نارا والأب يقف خائفا محتارا ، فيقتحم جاره المسكين الباب ويدخل- رغم كثافه الدخان- ويهتدي إلي الأطفال بأصواتهم ليأخذهم فردا فرداً ويخرج بهم سالمين فيا عجباً لهذه الحياة ،وما اكثر ما فيها من دروس تستحق الوقوف عندها! والأخذ بما فيها من فوائد وعبر وقد جرني لهذا المقال عبارة قيلت بمناسبه في مجلسنا حكاها أحد العاملين بمطابع السودان للعملة وقد قالها مديرهم في خطابه الأول لعامليه بالمطبعة وهو يوصيهم بالمثل والأخلاق الحميده وحسن التعامل والترابط قال لهم: اعطواالناس قدرها ولاتستهينوا بأحد في حياتكم ولا تستصغروا أحدا مهما كان مقامه- علماً أو عملا -فرب حاجه لك لا يقضيها إلا من كنت تستصغره أو تستهين بأمره ، فالله قد قسم المهام بين البشر والوزير قد لا يقضي غرضه إلا شخص لاتلقى له بالا وصدق العليم الخبير بمن خلق! وهو يمنعنا التعالي والسخريه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) والمصطفي صلوات الله وسلامه عليه ينبهنا ويحثنا باحترام الناس مهما كانت مكانتهم فإننا لانعلم سرهم فالله وحده العليم الخبير بهم فيقول صلي الله عليه وسلم (رب أشعث أغبرمدفوع بالأبواب لو اقسم علي الله لأبره)