الأخ محمد الحسن محمد عثمان كتب مقالا جميلا تحت عنوان "ورطة الغربة " والمنشور بيوم الخميس 24/4/2013 في صحيفة سودانايل الألكترونية ، المقال الذي يعد تأطيرا لنظرتنا للغربة وعدم إكتراثنا كشعب سوداني لما سوف يقابلنا غدا أو ما سنلقى من عنت وعدم توفيق أو عدم نجاح أو ما نلاقي من معاناة ، حيث أننا نغترب وحسب! وقد عانى أيضا كاتب المقال ولاقى كثيرا من الرهق في غربته تلك إلا أنه ذكر بعض ما يخفف وقع الغربة كالخصال النبيلة التي يتحلى بها بعض شباب مدينة شبشة بنيويورك الذين قابلوه في مطارها عند قدومه وبدون سابق معرفة أو ميعاد. وأقتبس هنا بعضا من مقال الأخ محمد:- " كان مايخفف من وقع الغربه فى ذلك الزمن دفء السودانيين فى تلك البلاد البارده فيمكن ان يستضيف القادم اى سودانى بدون معرفه سابقه وكان اولاد شبشه (ناس عمار واحمد على والرشيد وعبد العليم واخرين ) يذهبون لمطار.F.K J ويستضيفون اى سودانى قادم بدون سابق معرفة ، وأستقبلوني شخصيا عندما قدمت لنييورك ولم اكن اعرف احد من قبل غير عنوان وتوصيه واستضافنى السودانيين بكل ترحاب وشوق . شكرا لك يا أخي محمد ، فإن شبشة مدينة القباب والترحاب يمشى على ظهرانيها كثيرٌُ من الرجال والنساء الكرماء ذوو السجايا الطيبات ، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، أمثال والد الجميع الشيخ برير مؤسس المدينة وأحفاده الطيبين ، فقد كان الشيخ برير صديقا شخصيا للمهدي وكانا يتزاوران ويتحاوران في الله ، وقد أكرم أحفاده بنات المهدي أثناء مرورهن مع الخليفة عبدالله التعايشي لأم دبيكرات ودافعوا عنهن دفاعا شديدا حتى الموت ، فقد كان كثيرٌ من أجدادنا قد توفاهم الله وفي أجوافهم كؤوس من قرع يربطون به أمعاءهم التي شرطتها أيادي الغدر دفاعا عن بنات المهدي . وشبشة يا أخي محمد منها (الكسرت طربيزتا) وهي واحدة من النساء الكريمات والتي عندما مرَت بها عربة لوري مليئة بعابري الطريق تحت المطر ، وفي غياب زوجها ، أنزلت الركاب للعشاء وعندما لم تجد حطبا أو فحما لإشعال النار ، كسرت طربيزتا لعمل العشاء. وقد كان أحد أجدادنا ، رحمه الله ، يقوم ليلا والناس نيام ، وحتى لا يراه أحد بتوزيع أكياس من الذرة للضفاء والمساكين أيام المجاعات وأيام الفاقة والعدم وأيام العسرات وايضا في أيام المسرات ، وحين تراه بالنهار فهو كريم في ثياب مسكين لا ترى إلا شبحا يتحرك بهدوء ولا تسمع إلا تسبيحا ووجها يكسوه الصبر والصمت والأناة ، حتى إكتشفته ذات ليلة ، أمرأة بعد سنين عددا ، توفي بعدها رحمه الله وعلى شبشة كان يفد الشيخ البرعي رحمه الله ، الذي يسلك الطريق على الشيخ عمر في الكريدة ، والذي بدوره يسلك الطريق على الشيخ برير شيخنا في شبشة ، كان يفدها الشيخ البرعي عليه رحمة الله ، وينزل في ربوعها حافيا إلى أن يغادر ، وتصحبه مئات من العربات الكبيرة محملة بالمريدين ، مع آلاف الوافدين من القرى المجاورة ، فيكون الكرم الشباشي وحسن الضيافة ، حيث "العصائر بالبراميل" والقداح تعرى بالكرم . والبرعي رحمه الله ، يا أخي كان يحب شبشة (صرة مشيخته ) حبا جما ، فقد تلقن فيها نظم الشعر وجرسه الموسيقي . وشبشة يا أخي بلد عمنا أبو فاطنة ، رحمه الله ، الذي كان يعشي القطار كاملا ، أبيضهم وأسودهم ، كلما مر القطار بمحطة أريات بالجنوب، حيث لم ترحمه يد الغدر الجنوبي فذبح مع ثلاثة عشر من خيرة أبناء شبشة في تلك المحطة في ليلة خبيثة من ليالي الثلاث والثمانين من القرن المنصرم . وقد كنا في المدينةالمنورة في الثمانينيات قد أبتدعنا إفطار رمضان في الحرم النبوي الشريف ، حتى يأكل ضعفاء الحرم وبن السبيل ، نحن زمرة من أبناء شبشة وبعض كرماء السودان من المناطق الأخرى، وكان السعوديون يطاردوننا ويرفعون طعامنا من أرض الحرم مدعين عدم شرعية ذلك الفعل ، إلى أن صارت الآن سنة "حميدة" لا تجد مترا واحدا فارغا من الطعام في الحرمين أيام رمضان . وتجد في شبشة يا أخي الوافدين من خارج البلاد يلتصقون بأرض شبشة وينتسبون لها ناسين حتى مواطنهم الأصلية ، من حلب ، ويمن ، وأفارقة من الدول المجاورة ومن الجنوب ، ومن الغرب والشمال حيث لا تخلو أي أسرة من تزاوج ونسب وتآخي ومحبة ، فما يجذب الناس لشبشة هو نفس الكرم والخصال الطيبات التي وصفت بها أنت ، ابناء شبشة ، عمار والرشيد وأحمد علي وعبدالعليم وأخوانهم في نيويورك ، فإنهم خلفاء لآبائهم الذين ربوهم على الضيافة وحسن الوفادة للغريب ، وأدبوهم على ذلك حتى لا يسألوا الضيف من إسمه حتى يشي بذلك ( من مقلب حديث تعرف أبوهو وجنسوا) والذين أرضعوهم كذلك هذا الشمم وذلك الكرم حتى صاروا سفراء لشبشة في كل مكان . والشباشة يا أخي محمد إن كانت لهم خصلة واحدة يشهرون بها ، أو قل إدمان واحد يدمنونه فإنه الكرم وحسن الضيافة بل عشقها والقيام بها بالليل والنهار ، فهم يشتهرون بكرمهم الفياض في كل ربوع السودان في الضعين وفي الرهد وتندلتي وفي أسواق كردفان ، وفي الغرب بأكمله ، وفي وأم درمان وفي كل ربوع السودان. وأهل شبشة يا أخي لا ينامون إلا على إعطاء لصدقة أوإسبال لتكافل ، ولا يصبحون إلا على عطاء وكرم وخصال طيبات ، واليتيم فيها لا يفقد الأب والاسرة والكفيل ، والمسكين فيها لا يعرف الجوع والخضوع ، المحتاج فيها لا يضيره السؤال ونبش الحال ، وبن السبيل عندها لا يفتقد المرقد ولا المضيفة ولا تغشاه مصغبة أو حاجة ، والخائف فيها آمن حتى يخرج ، والضعيف فيها قوي بالجميع ، والضيف فيها صاحب بيت حتى يكاد يكرمك في دارك ، والواحد فينا يفخر بأنه شباشي معطون حتى النخاع في ذلك الحال والخصال الشباشي ، فأشكرك يا أخي محمد على ذكرك لبعض خصال أهلي الحميدة ، ولا أزكيهم على الله . الرفيع بشير الشفيع بريتوريا – جنوب أفريقيا