سنوات تمضي.. رجعت بي الذاكرة إلى أيام زاخرة بالوفاء للجمع المخلص الأمين من القادة والرفاق الأماجد، سنين شاهدة على عصر الأخوة الصادقة شادوا أعظم الذكرى وصاغوا بمواقفهم كرامة الأمة هم من نفر أينما قطنوا عمروا الدنيا.. بذل وتضحية وفداء أذكرهم وأذكر أخوتهم رفقاء السلاح، أخي الشهيد الزبير محمد صالح سيد شهداء الإنقاذ ويساورني الأسى من فارق منهم الحياة بالبشرى وملائكة الرحمن تدخل عليهم من كل باب (سلام عليك بما صبرتم ونعم عقب الدار)، وإلى الذين ذاهبوا في مواكب الشهداء وكانوا صياماً أيام عاشوراء، وإلى شهداء طائرة تلودي وإلى الشباب من الدبابين والإعلاميين، وإلى المرأة المسلمة التي قدمت روحها شهيدة في سبيل الدين والوطن، كلهم شهداء مضوا في سبيل الله.. نخلِّد الذكرى وفاءً وعرفاناً لنسطر لأجيال قادمة عظمة الرجال علمونا الحياة وملأوا قلوبنا بحب الأوطان مترابطة ذكرى وذكريات. كنا نجلس سوياً لساعات طوال، نمشي في دروب الوطن كنا نعيد ذكرى الأيام الكوالح وما طوته الأيام والسنين في جوفها من عمر السودان.. أخي الزبير.. كنت بيننا مخلصاً صادقاً أميناً خلصت من أسرار الهوى والجري.. الرجال الأتقياء ليس فخراً ولكنها مسؤولية وأمانة، وأن للسلطة بريق ولكنها لا تخضع أصحاب النفوس التقية، إنها قلوب طاهرة أمينة غرست فينا حب الوطن، وتمضي المسيرة القاصدة، كنا أخوة متحابين في الله والوطن.. وكلما مرت سنوات البعاد أثمر الود قطوفاً يانعة، أذكر ويذكر الشعب السوداني الثاني عشر من فبراير.. جاء الخبر الذي شق الدياجي الشمس طالعة توقد بالضحى ويغطيها العجاج الأكدر.. السماء ترعد وتمطر والناصر تنتظر ابنها بالشوق والحنين والوفاء، ولها ذكريات مع الشهيد الزبير، فهي الوفية لتلك الأيام التي عمل فيها الشهيد في الناصر أسدل الستار وأدار ظهره للحياة، ونام نومته الأخيرة مع رفقائه الشهداء، وبفقد الزبير فقدت الأمة رجلاً من خيرة أبنائها ورباط العقيدة أشد.. أنهم رجال تذوقوا حلاوة الإيمان كانوا محبة ونفرة في سبيل الله والوطن، اجتمعوا في رفقة المصطفى صلى الله عليه وسلم وحوض السوباط كان المنتهى.. إنها أنبل ميتة (ومن كانت منيته بأرض فلا يموت بأرض سواها)، رحل فارس الغدار أرض النيل والنخيل ولو كان بإمكاني إبراز محاسن الشهيد فهي كُثر، وإن سطرناها بمجلدات لأجيال قادمة ذكرى وتذكر، إنهم خيار من خيار، وذكرى لا تزول عن الخاطر وتبقى الذكرى.