* النقاط الجوهرية ذات الأثر المباشر على مستقبل السودان المائي والغذائي والبيئي أوردها د. المفتي في حديثه ل «آخر لحظة»- الاثنين 15 فبراير- في ما يلي: * عدم التزام أثيوبيا أولاً حتى بنص الاتفاقية الاستعمارية الجائرة (1902) بين بريطانيا والسودان التي تقول بعدم بناء أية منشآت على مجرى النيل الأزرق.. ومخالفتها ثانياً لاتفاقية الأممالمتحدة لعام 1997 التي تلزمها بالإخطار المسبق قبل الدراسة وبدء التشييد.. وتجاهلها ثالثاً للاتفاقية الإقليمية - (عنتيبي) - بإخطار الدول الشريكة إذا أرادت إقامة أية منشأة على مجرى المياه. * السودان من جانبه لم يقم بأي خطوة لإثبات موقفه القانوني تجاه هذه التعديات والمخالفات الظاهرة.. ولم يضع هذه الاعتبارات على طاولة البحث عندما التأمت الأطراف في مفاوضات لاحقة لبدء العمل في السد.. وبالرغم من أن الاتفاقيات الثلاث تصب في مصلحة كل من السودان ومصر، فكلا البلدين لم يتمسكا بحقوقهما.. وكما قال المفتي فإن عدم التمسك بالحق القانوني أو التراخي فيه يجعله عرضة للضياع.. جرياً على المثل السائر «ما ضاع حق وراءه مطالب». * لكن أخطر ما كشفه المفتي.. وربما ذلك كان السبب الرئيسي لاستقالته.. هو «أن السودان يشعر بالاطمئنان حيال التطمينات الأثيوبية الشفهية.. وأخذ الأمر بحسن نية شديدة».. ولا يرى المفتي طريقة أخرى لتفادي النتائج الكارثية التي قد تترتب على هذا التراخي «والتطمينات الشفهية» الزائقة إلا بالإصرار خلال المفاوضات بأن لدينا حقوقاً في تشغيل هذا السد بالإضافة إلى نصيب معلوم في كل من المياه والكهرباء.. فالفرصة أصبحت ضيقة جداً. * المفتي أوضح أيضاً أن العرضين المقدمين من الشركتين الفرنسيتين -«مالي وفني»- كان لدى الدول الثلاث تحفظات عليها.. ما يعني أن «الحكاية ستبدأ من جديد».. وهذا شراء للوقت يصب في صالح أثيوبيا الماضية في البناء. * وأفصح د. المفتي عن تفاصيل المناسبة التي دعته للاستقالة في 26 مايو 2011 عقب يوم واحد من زيارة وزير الري المصري للخرطوم، وقوله أثناء تلك الزيارة إن رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف قد اجتمع مع رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل مليس زيناوي في 13 مايو.. واتفقا على تكوين لجنة ثلاثية لدراسة «الجوانب الفنية لسد النهضة».. وقد اتفقا أيضاً على اختيار مهندسين اثنين من كل دولة من الثلاث، وجاء للسودان لتحديد المهندسين المعنيين.. وهنا تحديداً أعلنهم المفتي بموقفه بأنه كان يجب إخطار السودان - حسب الاتفاقية- قبل الشروع في «هذه التفاصيل»، وكان الأوجب أن نرفض ونقول «لا» فليس لدى أثيوبيا الحق في توقيع العقود والبدء في التشييد قبل موافقة السودان على ذلك.. فالمسألة مسألة حقوق في المقام الأول. المفتي إذ آثر الابتعاد لأن الأمور جميعها سارت باتجاه غير صحيح ولم تتم الموافقة على رأيه الاستشاري والقانوني.. وها هي الدراسات تثبت صحة ما ذهب إليه باكراً. * فها هي مجريات الأمور وتصرفات الأثيوبيين القائمة على انتهاز الفرصة، بمساندة غامضة من جهات دولية وإقليمية أكثر غموضاً تجعل البلدين في وضع لا يحسدا عليه من قبيل «عينك بي تركب فيه».. حتى تنبهم وتنعدم الخيارات أمامهما، ويصبح الأمر رهيناً ب «التحنيس والطبطبة» على الأكتاف الأثيوبية المترفعة.. والتي تقدم «تطمينات شفهية» للسودان أيضاً عن استفادته من الكهرباء المُنتجة وتنظيم حركة المياه.. لخلق فجوة بين الموقفين المصري والسوداني والنفاذ من خلالها لإنجاز المشروع والتحكم ب «نيل الحياة» للشعبين إلى ما شاء الله. * فإذا ما أخذنا بإفادات المفتي الصريحة وضممناها إلى رأي خبير المياه الكبير ووزير الري السابق كمال علي الذي غادر منصبه هو الآخر.. والذي يتطابق إلى حد كبير مع ما ذهب إليه المفتي.. فإننا نجد أنفسنا -للأسف- أمام مأزق جديد يشبه في الكثير من تفاصيله مأزق «نيفاشا» الذي قاد لكارثة الانفصال برغم دعاوى «الوحدة الجاذبة»، التي جذبت الجنوب من بين أصابعنا وألقت به بعيداً خارج حدود الوطن!!