كانت فكرة التوحيد في الإسلام واضحة جداً عند اليهود وفي المسيحية، و عند اليهود إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد، و قد دعت الوصايا العشر المنزلة على موسى النبي بالتوحيد الواضح، وشاع القول الكريم ؟ اليس إله واحد خلقنا؟ أليس أب واحد لجميعنا؟ وفي المسيحية كانت الدعوة للتوحيد واضحة، حيث يستهل قانون الإيمان بعبارة توحيدية بالحقيقة نؤمن بإله واحد، ويقول يعقوب أنت تؤمن بإله واحد حسناً تفعل. وقد تسربت دعوة اليهود بين عرب ما قبل الإسلام، وكانت هذه الدعوة تتعمق وتتطور كلما وجدت الفرصة عن طريق دعوات جديدة ومتكررة على يد موحدين، وقد عشق بعض الدعاة التوحيد دون الإرتباط باهل الكتاب. "وموضوع التنبّوء و الآراء الدينية قبيل الإسلام يحملنا على التنبيه على أن الآراء الدينية عند الجاهليين كانت ككل ناحية من نواحي حياتهم – وحياة كل أمة – عرضة للتطور والتغيّر، وإن الحالة التي كانت عليها قُبيل البعث هي نتيجة تطور مستمر دامّ آلافاً من السنين، قام به رجال من أهل الجاهلية.. أما بشعور ذاتي مبعثُه عاطفة دينية وحس مرهف، وأمَّا بتأثير من الخارج، وأما بواسطة أُّناس من المبشرين أو التجار أو السياسيين الذين وفدوا على جزيرة العرب في أوقات مختلفة فإحتكوا بأهلها وأثروا فيها وادخلوا إليها آراءهم ومعتقداتهم، فكان في كل ذلك أثر في التطور الفكري للجاهليين. وحركة النبوّة عند العرب، ظهرت قبل محمد، وعاصرتْه، و دامت بعده، وفي حوادث التنبّؤ المذكورة في السيرة تأييد صريح لوجود مثل هذه الدعوات عند الجاهليين والمعاصرين للرسول العربي. أنبياء العرب: ذكر القرآن من أنبياء العرب العاربة هود وصالح. نقل القرآن مراراً دعوة هود قومّه عاداً إلى التوحيد، وتسمت سورة بإسمه، نقلت بعضاً من أقواله في التوحيد «قال يا قوم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أن أنتم إلاَّ مفترون»، يا قوم إستغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً»، «قال إني أشهد الله و أشهد إني برئ مما تشركون»، «ولمَّا جاء أمرنا نجينا هوداً ومن معه برحمة مناَّ ... ولكن عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ...» (هود 50- 60) . فهود نبي عربي نزل عليه الوحي، و ترك جماعة موحّدة بين العرب الذين إفتقدهم الله بالرسل قبل محمد، بشهادة القرآن. و نقل القرآن أيضاً، بصور مختلفة دعوة صالح قومه ثموداً إلى التوحيد " قال: يا قوم أعبدوا الله، ما لكم من إله غيره: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب، و يا قوم هذه ناقة الله لكم آية..، فلما جاءّ أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا" و أخذ الذين ظلموا. الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين". (هود 61- 68) و في سورة الأعراف يستخلف الله قوم عاد بعد قوم نوح (68) وقوم ثمود بعد قوم عاد " و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد و بؤّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ" (73) فقد كان بين العرب أنبياء وجماعات توحيدية مسلمة قبل القرآن وبشهادة القرآن، وهذه النصوص توحي بأن التوحيد، و النبوّة وراثة عند العرب، قبل رسالة الإسلام. التوحيد و النبوة : فالتوحيد والنبوة كانا شائعين بين العرب البائدة والعاربة، و ظهر خصيصاً بين العرب المستعربة منذ ابراهيم وابنه اسماعيل الذي يعتبرونه جدّ العرب المستعربة، فإبراهيم كان يصلّي مع اسماعيل عند بناء الكعبة ، بحسب شهادة القرآن: «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» البقرة الأية (130) و ورث اسماعيل النبوة عن سائر النبيين ..«وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا .. وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عندَ رَبِّهِ مرضيا».. بعد شهادة القرآن بالنبوة و الإسلام لإبراهيم واسحاق و يعقوب والأسباط.. يرى الأستاذ العقاد ان العبرانيين اتخذوا كلمة النبوة من عرب مدين عند دخولهم إلي فلسطين، وإطلاعهم على اربعة من أنبياء العرب و إتصالهم بهم. و هم ملكي صادق و أيوب وبلعام و يثرون :" و تاريخ النبوات العربية التي وردت في التوراة سابق لإتخاذ العبريين كلمة النبي بدلاً من كلمة الرائي و الناظر، و تلمذة موسي لنبي مدين (يثرون) مذكورة في التوراة قبل سائر النبوات الإسرائيلية.