ينعقد خلال يومي الأول والثاني من هذا الشهر ديسمبر بالكويت مؤتمر المانحين لإعمار الشرق في إطار إنفاذ اتفاق الشرق وتسوية المشكلات والتظلمات الناتجة عن مخلفات عهود الاستعمار والحكومات الوطنية التي تعاقبت على البلاد في السنوات الماضية، وأهل الشرق كما أهل الشمال والغرب ومعظم أنحاء البلاد، هم كانوا الأكثر تضرراً من حكم المستعمر الذي حارب أبطال المهدية بقوات أممية أطلسية في نهاية القرن التاسع عشر، فواجه قوات البطل عثمان دقنه التي أذاقته الأمرين بقوة المقاومة والشجاعة والوطنية.. وبعد أن استولت قوات المستعمر الباغي على منطقة الشرق، زحفت إلى أنحاء البلاد في حرب غير متكافئة ما بين الأسلحة التقليدية(السيوف والبنادق)، والأسلحة الرشاشة سريعة الطلقات.. فغلبت الكثرة الشجاعة والروح الوطنية. شرق السودان ظل طوال العهود السابقة.. رغم تمتعها بالإطلال على البحر الأحمر وسواحلها الباهرة الممتدة.. ورغم كنوزها التي لا تعد ولا تحصى.. ورغم جماليات السياحة الجاذبة.. ورغم منابع مياهها العذبة في خيرانها.. أربعات الزراعة وأربعات المياه وجبالها الشاهقة وطبيعتها الساحرة.. هذا الشرق ظل في حالة الجمود وعدم الحركة.. وكأن المستعمر قد تعمد أن تظل هناك مناطق على الهامش حتى تقوم مشكلات في المستقبل بعد أن يخرج بعصاه من البلاد. شرق السودان يحتاج إلى إعمار حقيقي بإقامة البنى التحتية للعديد من الخدمات كالمياه والصحة والتعليم والتنمية في مجالات الزراعة والصناعة، وبمجرد قيام تلك البنيات التحتية ستتداعى عوامل التنمية جميعها، ويصحو الإقليم من كبوته، وستزول مظاهر التخلف عن إنسان الشرق الذي تكمن الحضارة في أعماقه.. فالشرق يحفل بالكثير من مجالات التنمية السريعة خاصة في مجالات السياحة.. بفضل كنوز البحر الأحمر من شعب مرجانية مذهلة، وثروة سمكية متنوعة.. وسواحل ممتدة تصلح جميعها كمنتجعات سياحية ومرافيء وموانيء وجبال شاهقة تحتضن الأودية الخضراء والأراضي الخصبة، ونموذج ذلك منابع أربعات، ومنتجع أركويت السياحي.. إلى جانب ميناء بورتسودان وسواكن وإمكانية قيام مرافيء أخرى على طول الساحل من حدود أرتيريا الجنوبية إلى حدودنا مع مصر. الشرق بحاجة إلى تنمية الإنتاج الزراعي بصورة عالية وتمويل كبير في دلتا طوكر والقاش، والسيطرة على تمرد نهر القاش واستغلال المياه الموسمية في سدود تضمن وجود المياه طوال العام.. والشرق بحاجة إلى ربطه بشبكة المياه من نهر النيل (أبو حمد إلى بورتسودان) لضمان توفر مياه الشرب العذبة طوال العام، وذلك ليس بالأمر العسير.. والشرق بحاجة إلى تركيز التعليم، فالعلم يقهر الجهل والتخلف ويرتقي بالإنسان.. والصحة تحتاج إلى جهد كبير خاصة في مجال محاربة الدرن، هذا المرض العضال الذي يكاد يستوطن في شرقنا الحبيب. مؤتمر إعمار الشرق عمل إبداعي أكيد.. وهو أحد استحقاقات اتفاق أسمرا الموقع بين الحكومة والحركات التي اضطرت لحمل السلاح للتعبير عن معاناة إنسان الشرق.. فكان التزام الموقعين من الطرفين بالوفاء باستحقاقات الاتفاق.. ليكون اتفاق الشرق وفاءً مقابل وفاء.. واستيفاء مقابل استيفاء.. وكلنا يعلم أن الالتزام بالوفاء بالاتفاقيات يقابل أيضاً بذات القدر من الوفاء.. وعلى الجهات والحركات التي توقع على الاتفاقيات أن تعلم ذلك جيداً. نحن نأمل كثيراً أن ينجح الملتقى الذي ترعاه دولة الكويت الشقيقة وهي تسعى معنا لمعالجة مشكلات متراكمة في بلادنا منذ عقود، بل قرون.. والكويت من أقرب الدول والشعوب للشعب السوداني وفاءً وتضامناً ومساندة.. والعلاقات السودانية الكويتية كشأن العلاقات السودانية القطرية وكل الشقيقات العربية.. قوية ومتينة وقديمة ومتجذرة.. فالتحية لكل الأشقاء العرب وهم يتدافعون لتقديم العون لشعب السودان الذي يواجه المؤامرات الصهيونية التي تهدف لتشتيت القدرات السودانية وتفتيت وحدتها وتخريب أمنها وسلامة أراضيها. في الختام التحية لأدروب وأوشيك وأبو آمنة وأبو عيشة وأبو فاطمة وهيكل، وهشل وجميع الشرق الحبيب.. والتحية لأهلنا في الكويت والدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مهندس الاتفاقية.