الشاب كمبوني :- قال كومبوني وهو يجهز نفسه لخدمة أفريقيا، كم أود أن يكون لي ألف لسان، لأتكلم بها عن أفريقيا، وعن ذلك الجزء من العالم الذي لا نعرف عنه إلا القليل، وهو بالنسبة لنا، يبتعد عنا كثيراً ) دانيال كمبوني من كلمات الأب اوليبوني وهو علي فراش الموت (الله يريد تجديد أفريقيا).. يبدو أن صوت هذه الكلمات قد خفت كثيراً مع مغادرة المرسلين للسودان، وهم في شدة المرض والقلق عام 1859 . لكن الرؤيا لم يقدَّر لها أن تموت، لأن الكلمات كانت عبارة عن صديّ لوصية الرب يسوع الأخيرة (إذهبوا ، و تلمذوا جميع الأمم ) في هذه الأثناء، كانت هناك حركة جديدة قد بدأت وتعهدت للعمل لتحقيق الرؤيا وتجديد أفريقيا.. إثنان من الرجال المسيحيين العظام كانا يشتركان في تلك الحركة، وركزا كل إهتمامهما على إبادة لعنة الإستعباد، وعلى نشر رسالة الإنجيل في السودان.. ومع أن كلاً من الرجلين مات في الخرطوم، إلا إنهما تركا أثاراً لا تُمحى.. استطاعت أن تلهم جيلاً ثانياً ليتبع نفس الآثار ونفس الخطوات.. هذان الرجلان هما: دانيال كمبوني و تشارلز غردون. دستور المازا يعتبر دون نيكولا مازا من قادة الكهنة، وهو من فيرونا، بإيطاليا، وقد بدأ معهده أساساً لإنقاذ المومسات والأولاد الفقراء و تدريبهم على حرفة جديدة من أجل حياة أفضل. البعض من تلاميذه شعروا بالدعوة من الله ليكونوا كهنة ومرسلين، وأكملوا دراستهم وتدريبهم في كليات اللاهوت بعد تكملة دراستهم بالمعهد، هؤلاء الكهنة والمرسلون أصبحوا مجموعة مميزة عرفت فيما بعد باسم فريق مازا للمرسلين .. وأكثرهم شهرة هم : فينكو، بيلترامي، وطبعاً دانيال كمبوني عين كمبوني بعد عودته سنة 1859 كنائب مدير معهد مازا و كلف بالإشراف على الأفارقة المقبولين بالمعهد للدراسة والتدريب... و عندما سمع مازا عن السفينة الحربية البريطانية التي حررت بعض الأفارقة العبيد الذين كانوا علي سفينة أخرى تابعة لتجار العبيد، وعرف أنهم أخذوا العبيد المحررين إلى عدن، أرسل كمبوني إلى عدن ليدفع الفدية لبعض الأولاد الواعدين.. وجد كمبوني سبعة أولاد حررهم بدفع الفدية وأتى بهم إلى فيرونا عن طريق مصر، وهنا شعر مازا، إنه لو أمكن تعليم هؤلاء الأفارة، وتدريبهم وإرشادهم لقبول الإيمان المسيحي فقد يكونوا هم المساعدون والمبشرون والعاملين لتجديد أفريقيا. السنوات المبكرة في حياة دانيال كمبوني :- ولد دانيال كمبوني في 15 مارس 1836م في ليموني علي بحيرة قاردا في شمال إيطاليا، من عائلة فقيرة جداً، ولكنها كانت عائلة مسيحية عميقة الإيمان. درس الشاب كمبوني دراسته الأولية في ليموني، أما دراسته الأعلى فلم يتمكن من دراستها في المدينة المجاورة فيرونا لكثرة التكاليف.. إلا أن معهد مازا قبله في فبراير 1843 . و كان لهذا القبول أثر كبير في تشكيل حياته، فعندما كان سن دانيال 15 سنة قرأ عن الشهداء المسيحيين في اليابان.، وهذا ما شجعه على أن يكون مرسلاً في آسيا. ومرة أخرى، سمع نيقيلو فينكو يتحدث عن عمله في أفريقيا الوسطي، من شدة أعجابه و تأثرة حول هدفه من آسيا إلي أفريقيا. و في يناير من عام 1849، عندما كان سن دانيال 17 سنة، قرر دانيال قراره الذي تمسك به، عندما ركع عند قدمي نيكولا مازا و كرس حياته للعمل المرسلي.. وكانت هذه الدعوة لدانيال كمبوني صعبة القبول عند والديه .. فقد كان هو الابن الوحيد الذي عاش لهم، وكانوا في حاجة إليه حيث إنهم كانوا كبار السن وفقراء في نفس الوقت، وبعد أن أكمل دراسته في المعهد، التحق بكلية اللاهوت و رُسم كاهناً في آخر يوم في سنة 1854. في عام 1857، قررت مجموعة من المرسلين التابعين لفريق مازا بالتطوع للعمل في منطقة النيل الأبيض.. ولم يكن هذا القرار سهلاً على الشاب دانيال كمبوني، بل شعر أن الله يدعوه، وبعد أن نال بركة أمه، انضم إلى فريق مازا و كانوا ستة أفراد.