راي : الشيخ عبدالجليل النذير الكاروري قبل أن تتعارض المادة 179 الحبس حتى السداد مع المادة 11 من القانون الدولي في الحرية الشخصية، كانت تتعارض مع الآية 280 من سورة البقرة (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ، حيث كان ربا الجاهلية إبان التنزيل مثل ربا البنوك اليوم، يضع الزيادة تلقائياً على التأخير فحكم الله بوضع الزيادة وأنظار المعسر ، وأما ضمان الحقوق، حقوق الدائنين فقد جاء فيها الأمر بكتابة الدين بعد آية الربا مباشرة، ضمن أطول آية في الكتاب الحكيم:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...الخ) للعدالة ولإثبات الشهادة وقطع الشك (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا..) والشيك قبل أن يكون اذناً بالوفاء هو سند توثيق للمعاملة غير أن المحاكم الآن تجعل تجاوز الزمن فيه جناية تجيز للداين أن يحبس عليه المدين استناداً على المادة ،179 واستدلالاً بآية الائتمان في آل عمران:(... وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ففسروا قائماً بالحبس، ولكني افهمها المراجعة لأن صفة المدين هنا المماطلة، وهي الوعد بآجال تجعلك تترددعليه حتى يوفى، فهو تردد وتكرار للطلب وليس قياماً على الرأس ! فصاحب الدين يطلبه بالاقتضاء وليس بالقضاء، وهو ما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر أن يعلمه لليهودي الدائن اعمالاً للسماحة (رحم الله امرءاً سمحاً اذا باع واذا اشترى واذا اقتضى).. فالقوامة في الآية تعني المتابعة والإدارة التي لا يحوجك الأمين لها كما الكتابي المضروب به المثل في الآية، حيث ادى الدين في خشبة في عرض البحر لأنه لم يجد مركباً عند حلول الأجل ؟ ! وقد وردت القوامة في المال أيضاً في سورة النساء بمعنى الإدارة (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) ..فالكافل لا يملك المال وإنما يديره ويصلحه ( وإن تخالطوهم فأخوانكم في والله يعلم المفسد من المصلح )، الآن يمارس هذا القيام بين أهل المعاملات بالاتصال طلباً لتغطية الشيك الذي حل أجله ؟ وما يصل المحاكم هو الأقل.. فلا ندري من أين جاء معنى القيام بالحبس بدلاً عن معنى المتابعة والتردد في الطلب على المماطل، ورحم الله الشيخ أحمد حيث كان يقول من رأسك أم كراسك ؟ فقد وجدت في كراسة القرطبي ما يعضد اجتهادي في الجزء 4 ص 116 من اوجه تفسسير الآية (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ..) قيل أراد بالقيام إدامة المطالبة لا عين القيام . الحبس اقسى من ملك اليمين : مذكرة المجمع التي روت الإجماع على حبس المدين لم تخلص للحبس مطلقاً، بل قيدته باليسار في الفقرة 3 و 4 من خلاصتها) 3- الحبس في الدين شرطه الغنى واليسار ولا يجوز حبس المعسر بل يجب انظاره ) وهذا حكم بوجوب النظرة الواردة في آية الربا، وليس رحمة كما يقول البعض .. فالرحمة وردت بالوضع وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )، كما أن المذكرة فرقت في الزمن بمقتضى الحال )5- أما المدين معلوم الإعسار فلا يحبس حتى السداد بل يحبس لاثبات فقره وإعساره ، وأقصى مدة ذهبوا اليها اربعة أشهر ) أقول الحبس بهذه الصيغة يشبه نظام الحراسات من اجل الإقرار وليس بالحكم النهائي ولا الابتدائي، فهو من باب التعزير كقوله : صلى الله عليه وسلم في أسير الحرب ( مسه بعذاب) وذلك للادلاء بالمعلومات . إن الحبس الأبدي يصادر الحرية بما يتجاوز الرق لأن المملوك يعمل لصاحبه كماغلام المغيرة الذي اشتكى لعمر من غلة الثلاث دراهم اليومية ! ولاجل ذلك أرى أن يوصى المجمع المشرع بالعدول الى عقوبة مالية بدل البدنية، ولأن الجناية مالية ، وبما أن المدين لايملك مالاً، الآن فيلزم بالاقتطاع من كسبه بما يشبه الحجر حتى الوفاء وهو أيضاً اجتهاد له ما يسنده .فهو مذهب خامس الراشدين عمر بن عبدالعزيز كما جاء في المذكرة :( مذهب عمربن عبدالعزيز ورواية عن أحمد أن قصاص الدين أن يواجره فيعمل عنده بما عليه حتى يستوفي حقه ) ويمكن أن يستعاض عن الإجارة باي عقد آخر مبرور، وملزم يقتطع بموجبه من دخله الشهري ومن المنبع ، اياً كان تعاقده في القطاع العام أو الأهلي أو الشخصي .هذا أصلح للطرفين من الحبس الذي هو عسر على الأطراف الاربعة : صاحب الدين الذي لن يكسب إلا شقاء النفس ! والمحبوس الذي سيفقد الكسب ! وأسرته، عرضها وعائلها، والدولة حيث يشكو الوزير المختص من أعباء اربعة ألف سجين وسجينة محبوسون على ذمة السداد . عضو المجمع ورئيس دائرة الثقافة