سيدي.. المحترم.. علي محمود وزير المالية والاقتصاد الوطني.. لك الود والتحايا والسلام.. ولا تعجب ولا تدهش.. إن طوينا المساحات الشاسعة التي تفصلنا عنك.. وقفزنا مرة ومرات بالزانة.. وصولاً إلى موقعكم الرفيع.. فالذي يجمعنا بك.. هو هذا الوطن النبيل الجميل البديع.. ونحن سوياً نركض في مرح.. في ثرى وبساط ورياض المواطنة الشاهقة .. لذا لانجد أبداً حرجاً.. في الكتابة لك متى ما رأينا ذلك فرضاً.. لا شيئاً شخصياً أبداً .. أبداً.. كل حروفنا لك هي للوطن.. وللمواطن.. ولا شيء غير ذلك.. كانت كلماتنا لك مدحاً أو قدحاً تخزيراً.. أو تنويراً.. نحن ونقسم لك بالشعب والأيام الصعبة لا نكتب إلا دفاعاً عن الوطن.. ومدافعة عن شعبه الفريد المدهش النبيل.. كنا قد كتبنا لك بأشد المفردات قسوة وغلظة .. عندما أغضبتنا كلماتك وأنت تدعونا للتقشف عند تقديمك للميزانية.. ثم كتبنا لك من مداد ماء الورد.. بل كتبنا بصفق الورود عندما أعلنت أنك سوف تتصدى لميزانيات ورواتب المسؤولين والدستوريين مع التبشير بالنسبة لنا والنذير بالنسبة لهم بأنك سوف تخفِّض مخصصاتهم بنسبة تبلغ عشرة في المائة.. عندها هبت علينا نسمات منعشة.. لتبدد (كتمة) خانقة ظلت عالقة في طقس وطننا لعشرين سنة وتزيد.. وعندها.. حذرناك من هول المعارك.. وأهوال الأعاصير التي سوف تواجهها من (أولئك) الذين استمرأوا التقلب في مخدات الترف الأسطوري والحياة المخملية الباذخة.. وأذكر جيِّداً .. إنني طلبت لك النجاح.. وسألت القادر.. العاطي.. المانع.. أن يوفقك في مسعاك ذاك النبيل.. وبالمناسبة.. لم نسمع شيئاً.. عن ذلك حتى الآن.. ولعل المانع خير.. والآن نعود إلى موضوعنا.. الأساسي.. والذي من أجله أمتشقنا (سنة) هذا القلم.. ومن أجله ملأنا المحابر بذخيرة الأحبار والمداد.. سيدي.. لقد كتبت الصحف.. تصريحاً منسوباً إلى سيادتكم.. مضمونه العجيب.. بل الحزين .. أنك طلبت من المواطنين الاغتراب .. حتى يساهموا في بناء الوطن والدفاع عن (الأسرة) أو العائلة أو الأقارب.. أو الوالد.. والأبناء.. ليتدفق للبلاد سيل من الدولار.. وهنا فقط نقول.. لقد جانبك وفارقك التوفيق. سيدي الوزير.. وطوفان من الأسئلة وعلامات الاستفهام تحشد الأفق وأولها.. إن هذه هي المرة الأولى.. التي يطالب فيها مسؤول رفيع مثلك.. يطالب مواطنيه الانتشار في بلاد الله الواسعة.. وداعاً للأهل.. ومبارحة للوطن.. حتى يوفر حياة كريمة لأهله وعائلته.. وهل يعني ذلك أن (الحكومة) قد فشلت في توفير حياة كريمة لمواطنيها.. وهم داخل حدود سلطتها وسلطانها وصولجانها.. وهل تعلم سيدي الوزير.. أن كل حكومات الدنيا تناشد وتكافح وتقاتل في سبيل عودة آخر مهاجر في أرض الله الواسعة ليساهم في بناء وطنه.. ولينعم بدفء عائلته وأهله وأسرته.. وبمناشدتك هذه تحيل المواطن تماماً من إنسان من لحم وشحم ودم وشعور ومشاعر.. إلى حقل من قطن أو ذرة أو سمسم.. أو بئر من بترول.. هذا إن لم أقل.. أن اغترابه يعود بالنفع المادي لأهله ووطنه مثله مثل عائد قطيع أو باخرة من الضأن والعجول والأغنام. سيدي.. الوزير.. لا أظنك قد (جرَّبت) الغربة.. ولا أعتقد أنك قد ظللت تراقب النجوم بل تساري النجم في الظلم.. هناك.. في المهاجر.. حيث الغرف الرطبة والحياة المفزعة.. والكوابيس المخيفة.. ولا أظن أنك استمعت يوماً للكابلي.. وهو ينوح ويختلج بعيداً عن الوطن.. بعيداً عن (مقرن النيلين) بعيداً.. عن عيون أم در لبيت المال.. وتالله إن قضاء ليلة واحدة لمواطن بعيداً عن أسرته.. عن أمه.. عن أبيه.. عن زوجه.. عن مواطنيه.. لا تعادلها كل ثروة «بل قيتس» وتفوق كثيراً كل أموال البنك الدولي التي تئن من أرقامها الفلكية.. ذاكرة الحاسوب. سيدي الوزير.. إذن أنت تبارك.. هجرة (ود المكي) في المدن المغسولة شوارعها بالجليد.. تبارك.. بعد وبعاد نجومنا الزواهر... وهي .. تضئ سماوات.. بلاد أخرى وتذرف الدموع أنصاص الليالي.. عندما تخلد إلى (الأسرة) وهي.. تنادي في الخيال.. وفي ظلام الليالي الحلوكة.. أشباح الخيال المستحيل.. رجاءً أبدل البرنامج.. بل أعكس البرنامج.. أطلق نداءً.. غير هذا النداء.. وليكن.. توطين المواطنين بالداخل.. لك ودي.