كلما دخل زملاء المهنة إلى دار الأمة بأم درمان لأغراض التغطية الصحفية التقاهم ذلك الرجل ذو الجبة الرثة والثياب البالية أشعث أغبر كانما هو أحد أولئك الغرباء الذين تحدث عنهم نبي الهدى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ..رجل يحمل في يده سيفين اعتاد أن يضرب بعضهما ببعض ثم لا يتوقف عن الهتاف خلال الفعاليات التي يقيمها كيان الأنصار أو حزب الامة ، دونما أي مقدمات يظهر الرجل بزيه الأنصاري المميز يلوح بسيفيه ثم يعلو صوته بالهتاف (أنصار .. أنصار .. نخوض النار ) ... فكلما رأيته في دار الأمة أو جوار القبة خلته (الباقر الدرويش) الذي تحدث عنه الراحل المقيم محمد الحسن سالم (حميد ) في قصيدته الشهيرة عيوشة , حيث يقول مطلعها: يا إمَّا الجِنّْ يا الباقر الدرويش صقر البُطانة أب سِنْ يا دابي رُنْدَة أب ريش أدا الحصايِة الحِنْ وكِبرت مِن المافيش النشأة: فالرجل كان يرابط أمام منزل الإمام الصادق المهدي فكلما خرج عليه الإمام ضرب سيفيه مع بعضهما البعض ثم ردد كلمة (وطني ), فلقبه الأنصار بوطني واسمه إبراهيم حامد إبراهيم أنصاري محب ومن شدة حبه وتعلقه بآل المهدي ترك مسقط رأسه بولاية النيل الأبيض قرية (أب ركبة) بالقرب من مدينة تندلتي ، والقرية نفسها تحكي عن تاريخ ملئ بالحب للمهدي فقد احتضنت عدداً كبيراً من الأنصار عقب معركتي أم ديبكرات وكرري, فهي في الأصل يسكنها البقارة وتعتبر مركز نظارتهم بالنيل الأبيض ، هنالك في تلك القرية التي كانت ومازالت ترتل رأتب الإمام المهدي كانت صرخة ميلاد (وطني) ثم غادر البلدة ليجاور الإمام المهدي ويلازم أحفاده بأمدرمان, هاجر إلى الخرطوم حسبما روى القيادي الشاب بحزب الأمة أيوب محمد عباس مفارقاً أهله وعشيرته من أبناء (الكتلة ) المنحدرين من قبيلة (الجمع ) ، هاجر الرجل بنضاله ليشارك احبابه في الكيان والحزب في معركة الحرية والكرامة في العام 1976 رافضاً للحكم العسكري وخارجاً على نظام النميري ثم بقي ملازماً لسلالة المهدي منذ ذلك التاريخ, وظل ينشط في كل المناسبات التي يقيمها كيان الأنصار وحزب الأمة . سر الالتفاتة المباغتة: ولعل حب الأنصار للرجل نابعاً من صدقه وولائه وصلاحه فيوم وفاته كتب أمام وخطيب مسجد السيد عبدالرحمن بود نوباوي وهو يحسب وطني أحد الصالحين, مستنداً على حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما مر على مجلسه رجلان أحدهما ثري والآخر فقير فقال صحابته في الأول إنه إذا تحدث يستمع لحديثه وإذا شفع يشفع ثم قالوا في الثاني وهذا اذا تحدث لا يسمع لحديثه وإذا شفع لا يشفع, فقال الحبيب المصطفى إن الثاني خير من الأول في إشارة إلى أنه لا يعلم صلاح الناس إلا رب العالمين , وبتلك الاشارة كأنما أراد الحبيب أبو أن يحسب وطني من الصالحين ، فتلك ميزة أشار إليها الأنصاري محمد علم وهو ينعي فقيد الأنصار, يذكر بمواقفه داخل مسجد الأنصار بود نوباوي, حيث كانت من عادته أن يخطب في الناس من يوم الجمعة خطبة قصيرة تسبق صعود الإمام إلى المسجد وكان لا يلتفت إلا عند دخول الإمام الصادق من باب المسجد الخلفي بحركة لا إرادية ثم يضرب بسيفيه ويردد كلمة (وطني) . شهادة الإمام: لطالما كان وطني يحب الإمام ويلازمه, ظل حفيد المهدي يبادله ذات الحب وظهر عشق الإمام لعدد من الشخصيات تشبه وطني في ذات التصرفات ظلت تمارس تلك التصرفات التي ربما تنال رضاء إمامهم حتى دفعه ذلك الرضاء إلى افتتاح نعيه لوطني بإبراز كثيرين قال إن تصرفاتهم تعطي كيان الأنصار نكهة تدل على عشقهم وإيمانهم بالكيان وبرسالته, واعتبر المهدي وطني من ضمن تلك الشخصيات, ويحكي الإمام مواقفه مع الرجل ويقول إن وطني كان مرابطاً في منزلنا ثم دار حزب الأمة وعند مغادرتي البيت أو الدار أجده يلاعب سيفين ويردد شعارات ثم يخاطبني بعبارة (وطني) ويكررها عزاءً لي من مخالب الظلمة, بالطبع فإن شهادة الإمام الصادق المهدي في الرجل تسعد أحبابه من الأنصار الذين كانوا ومازالوا ملازمين لقبة المهدي بأم درمان زاهدين ومتغشفين ومحبين يرتلون الراتب ولا يلازمون أحفاد الإمام المهدي . كثيرون هم مثل وطني ولكن نشاط وطني جعله الأكثر شهرة بين أحبابه الأنصار .