استبشرنا خيراً بالمولود الجديد، وقتها «التأمين الصحي» ، وتفاءلنا به خيراً كثيراً، وحلمنا معه بوداع هاجس العلاج وللأبد، ولسان حالنا «وداع محمد أحمد لي مرضو» على شاكلة وداع «الطريفي لي جملو»، ولكن مع مرور الأيام والشهور ثم من بعد تلك السنوات، انكشف الستار ووضح المستور واتضح أن أمنياتنا كانت أضغاث أحلام، وأهل التأمين الصحي بتأويل الأحلام عالمين . نعم التأمين الصحي جاء لمساعدة الناس، وأن الكثير من العاملين في حقله من خيرة العاملين ، يحملون هم المواطن ولا يالون جهداً في تذليل كافة الصعاب التي تواجهه حتي تتم مراحل علاجه بالشكل المطلوب ، هذا لا خلاف عليه، ولكن المختلف حوله هو الكثير من الإجراءات «العقيمة» التي يفترض أن يقوم بها المواطن المغلوب على أمره حتي يقابل الطبيب المختص ، وأشدها تلك التي في الولايات ، حيث يتطلب الأمر تحويل المريض إلى حاضرة ولايته ثم من بعد ذلك يتم تحويله للخرطوم، حيث الاختصاصيين وحيث العلاج، بالإضافة لمعاناة أخرى يعيشها المواطن في ترحال ما بين توقيع وختم وانتظار وترقب لمسؤول أو موظف، وبذلك تضيع أهم الأهداف ويصبح العنوان العريض «لا تأمين ولا صحة» ويدفع المواطن روحه ثمناً لحلم سراب بسبب الإجراءات واستسهال بعض المسؤولين للأمور. الوضع الطبيعي أن تراجع كل الإجراءات وأولها التحاويل ، وهذا يتطلب من إدارات التأمين الصحي بكافة الولايات ،أن تكون على علم بكل التخصصات وإمكانية إجراء العمليات بحواضر الولايات أو عدمها، فذلك يسهل التحويل لحاضرة الولاية التي يتوفر بها العلاج والعمليات أو التحويل المباشر للخرطوم، بدلاً من أن يقطع المواطن المسكين مئات الكيلومترات من أجل توقيع أختصاصي يحوله للمركز وكفى ما وجده المواطن طيلة تلك الفترة منذ ميلاد التأمين الصحي وحتى اليوم.. فالغاية الأسمى من هذا المشروع هو تخفيف المعاناة عن كاهل المواطن الذي إنحنى ظهره من كثرة ما حمل من معاناة، وبالتالي غير مقبول أن يتحول الهدف إلى هدف مضاد، فالتأمين ليس منة ولا هدية وإنما يدفع فيه المواطن من حر ماله وشقاء واقع الحال الذي نعيشه اليوم والذي استشرفته القصيدة قبل أكثر من عقدين من الزمان جعلني اختار لها عنواناً آخر هو: (أن لا نكون.. أن نفترق عمره، فلماذا نجني علي المواطن ولماذا نجرح بأيادينا مشاريعنا الكبيرة ونطعن الإنسانية في مقتل. عفواً إخواننا في التأمين الصحي.. فنحن لا نهدف الي التقليل بمجهوداتكم ولا نسخر من أعمالكم ، بل نثني على الجهود ونقف من خلف المشروع الوطني الكبير، وفي ذات الوقت نعمل معكم لنكون المرآ التي ترون خلالها ما تقدمون، وبكل الصدق نقول إن ما تقدمون الآن يحتاج للكثير، وهو لا يلبي الحاجات ولا الرغبات ولا يحقق الأمنيات، وما قلناه هو صورة تعسكها لكم مرآءتنا دون مساحيق أو غيرها ، فإن رأيتموها بعيون الحقيقة والمصلحة العامة قطعاً هي لن تسركم، وقطعاً ستعملون على تغييرها لتكون الصورة التي نريد وتريدون.